خبر مجيء مفرح لتفقد حال بكري سرى في القرية كالنار في الهشيم ,الناس تناقلوا الخبر وأدركوا حينها أن الوضع الصحي لبكري أصبح متدهوراً , وإلا كيف يفسر الناس قدوم خال بكري على هذا النحو من السرعة والاهتمام ..كما أن بكري منذ أربعة أو خمسة أيام يعيش عزلةً مؤلمةً , كل هذه التأويلات تشير أن بكري أصبح عاجزاً عن إيجاد علاجٍ لقدمه الممتلئة بالوجع والجُرح القاتل ..!
تقادم الناس من أعلى القرية وأسفلها قبل الفجر الأول لموعد رحيل بكري وخاله باتحاه ثربان (العين الحارة) جاء الناسُ يحملون الزادَ والطعامَ مؤونة للرجلين كي يتزودا بها في طريق رحلتهما, وما هي سوى لحظات حتى امتلأت حجرة البيت بالناس ورائحة (الموافي) تملأ القرية والبن والقِشْر يعبق بقهوة الصباح, لكن بكري هو الوحيد الذي مازال يسرح طويلاً في مجهول قادم لا يعرف أين سيصل به .. !
اعتلى بكري ظهرَ الناقةِ بمعاونة بعض رجالِ القريةِ فانكشفت ساقه أمامهم فاندهش الجَمْعُ بما رأوه من كارثة تكاد تلتهم جسد الرجل بأكمله ..
تهامس الناسُ فيما بينهم والألم يعتصر بداخلهم لحال بكري , (محسِن) الرجلُ الطاعنُ في السنِ والذي يناهز الثمانين من العمر يهمس (لظافر) رفيقَ العمرِ والألمِ في أوجاع الحياة على امتدادها :ظافر أنته ريت ساق بكري والله إني أخاف تلحق رِجْل معدّي في شبّته ما فاد فيها إلا امقطع ..الله يهون عليك يا بكري .. ودعنا الله فيك ..
أخذ محسن يردد هذه العبارات وبرغم قسوتها إلا أنها تشي باللطف وطيبة القلب ونقاء الروح ولأنهم كالورقة البيضاء لا يخبئون ما يخالجهم , الآن اللحظة المرتقبة لمسير الركب باتجاه (العين الحارة) حلّ موعدها بعد أن شَدّ رجال القرية وثاق الراحلة وزاد الرجلين وعتادهما البسيط، ليُمْسِكَ مفرح بخُطام الناقةِ وبخطىً متعجّلة يمضي متوثباً كي يلحقا صلاة الفجر في طريقهما، فالمسافة ليست بالبعيدة، ولكن وعورةَ الطريقِ والأودية والجبالِ ستأخذُ منهما عناءً يكاد ينقضي معه الوقت دون أن يدركا مبتغاهما قبل مغرب الشمس , فالطريق ليس معبّداً وبكري لا يقوى على الصعود والنزول كثيراً كما أن حرارة الشمس وصيفَ تهامةِ الحارقِ قد يسطو على وجعه فيتفاقم معه الجُرح والألم؛ فتزداد المأساةُ لدى بكري .
انتصف الطريقُ والنهارُ بدأ يكشّر عن شموسه الحارقة، ومفرّح يبلغ زهاء الستين من العمر ومازال يسير على أقدامه ممسكاً بخُطام ناقتة ووعورة الطريق لا ترحم أحداً كل هذا يجعل لحظة التوقّف دانية.. فأشجار السدر التي تلتف على جنبات الوادي أشبه بحزامٍ فضيّ يحاصر خاصرة فتاة بِكْر تغري الراحلين بالتوقف، فالتعب وسحر المكان ورغبة الوجع في الهدوء يجعل الركب ينوّخ ركاب الناقة،
الركب يتوقف والأجساد المنهكة من وجع المسافة وصعوبة الطريق بحاجةٍ إلى ظلٍ وراحة تغسل التعب من أنفاسهما , بكري بدا وكأنه يطارح لحظاته الأخيرة من شدة ما يعتريه من الألم , ولكن أمراً مخيفاً يلوح أمامه يرقبه في وجه خاله مفرح فصوته بدأ يتلاشى ووجهه يمتلئ بالصُفرة ِ ليميلَ على جنبه الأيمن وتنهيداته لا تتوقف فبكري يبدو عاجزاً أمام لحظة كهذه لم تكن في حسبانه أو تدر بخلده فلا شيء يستطيع فعله أمام وَهَنِ خاله أو ربما مرضه المفاجئ فرجلٌ لا يستطيع الحركة إلا بقدم واحدة والأخرى شبه غائبة عن الحركة والإحساس ولحظة سفر وعناء طريق وهدوء يملأ وحشة المكان كلها لا تُعين بكري على تدارك موقفٍ كهذا , فالوادي الكثيف بغابات السدر والأثل لا صوت به يكسر الفزع المنسكب في نبضه أبداً , فعينٌ ترقبُ خالَه والأخرى تلاحق أطواق السدر التي تحاصر المكان فربما قادمٌ ينسرب من بين تلك الغابة قد يعينه على فاجعته , يقترب بكري من خاله ليغسل وجهه ولحيته ويضع القِربَةَ على شفتيه فربما قليلٌ من الماء يبللُّ به عروقه قد يعيد له شئياً من الحياة والحركة , فخاله العاجز من كل شيء إلا من صوت متحشرج وأجفانٍ ارتفعت لم تنسدلْ على عينيه منذ أن خَرّ في إغماءته , فكل الملامح التي يرقبها بكري بين خطوط يدي خاله وتلك التجاعيد التي خطّها الزمن على وجهه تشعره بأن مفرح في الرمق الأخير من حياته
(يتبع)
- تنطلق الخميس المقبل بطولة المملكة للأندية لرفع الاثقال والمؤهلة لبطولة أبطال كأس الاتحاد
- “تعليم القنفذة” يَدعُو الطَّلَبة للتسجيل في “برنامج مَوهِبة الإثرائي الأكاديمي2024”
- العميشي : هدفنا الفوز أمام الجندل
- “موانئ” تُضيف خدمة ملاحية جديدة إلى ميناء الملك عبدالعزيز لربط المملكة بموانئ شرق أفريقيا
- استمرار الجولات التثقيفية لرياضة رفع الأثقال للسيدات
- الأولى بالشرقية.. عيادة تأهيلية لمتعافي الجلطات الدماغية
- العدالة جاهز للجندل
- افتتاح البطولة الآسيوية للبلياردو للسيدات غداً الاثنين بالرياض و تم عقد الاجتماع الفني واجرى قرعة اليوم
- نيابة عن الفيصل.. بن جلوي يترأس بعثة المملكة المشاركة في خليجية الشباب الأولى بالامارات
- جازان تُنتج أكثر من 118 ألف طن من الفواكه الاستوائية وتستعد لمهرجانها السنوي
المقالات > الجــــــــريــــــــن ٣
محمد الفقيه الشهري
الجــــــــريــــــــن ٣
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.watannews-sa.com/articles/53010.html