من القصص المأثورة القديمة التي تحكي كيف يخذل الناس بعضهم بعضا في مواقف تحتاج للحكمة والتأني والبحث عن الحلول التي تخدم الجميع في رفع الضرر عندما تتعرض فئة لضرر يلحق بها ، ما جاء في مأثورة عصر من العصور الماضية حيث تبدل الإصلاح الجماعي إلى المشاركة في إضرار فردي أكبر حجم عما كان لأن اللحمة تفرقت في آخر لحظات المطاف.
مهراجة حضر لزيارة أحد الولاة وأحضر معه من الهند فيلا ضخما هدية للوالي الذي فرح بهذه الهدية وجعل عليها خدم لخدمتها ليل نهار، وأصبح الفيل بيد الجهلاء من الخدم، فأخذوا فيل الوالي إلى أماكن بيع الخضروات فصار الفيل يأكل من أرزاق الناس دون أن يتمكن أحد أن يمنعه لأن جهل الحراس كان يهدد بسلطة الوالي الذي لا يعرف عن حراسه كيف استخدموا إسمه في ظلم الناس، خاف التجار أن يمنعوا الفيل الذي تسبب بخسارتهم من السوط الذي يحمله الحراس.
كان التجار يحبون الوالي لعدله وأمانته وأدرك التجار أن الوالي لا يعرف بظلم حراسه، فأجتمعوا واختاروا أحدهم ليتكلم عنهم وهم بصحبته يقابلون الوالي في ذاك النظام، وحددوا يوم اللقاء مع الوالي بواحد منهم يترأس الحديث ، وذهبوا لمقابلة الوالي يتقدمهم المتكلم بلسانهم ليطّلع الوالي على الخسائر والإضرار وما سببه فيل الوالي في الأسواق بسوء إستخدام سلطة الوالي من أعوانه في كل مكان.
في بداية الطريق نقص اعداد الجمع في أول منحنى، وتزايد النقصان ورئيس المجموعة يظن القوم خلفه وقد جهز الكلمات في رجاء أن ينقذهم الوالي، سار رئيس المجموعة حتى وصل لباب الوالي وطلب من رئيس الحرس أن يستأذن الوالي لمقابلته مع الجمع، فسأل رئيس الحرس وأين الجمع فألتفت فلم يجد غير نفسه وحيدا والباقون خذلوه هربا في الطرقات.
لا مفر لرئيس هذه المجموعة الا الدخول على الوالي، فرحب الوالي بحضوره وسأله عن مطالبه، فماذا قال الرجل الذي خذله الجمع وصار وحيدا بعد أن أتفقوا بلقاء الوالي وشرح معاناتهم.
قال الرجل للوالي، يامولاي نحن أصحاب السوق نحزن كثيرا على الفيل الذي يخصكم وقد رأينا دموعه فأدركنا أنه يبكي لأنه وحيدا ويحتاج إلى أنثى تؤنس وحدته، فرحب الوالي بهذا القول وشكر الرجل وأكرمه وأعطاه من الأموال والمجوهرات وخرج الرجل سعيدا بعد حزنه بما خذله الآخرون ، وأطمأن أن وجد مخرجا فالجزاء من جنس العمل.
عاد الرجل في اليوم التالي إلى محله وخجل الجمع أن يسأله عما كان عدا واحد سأله، فأجاب الرجل أن الحل سوف يكون خلال الشهور القليلة القادمة.
أرسل الوالي للمهراجة في طلب أنثى للفيل على عجل ، ومضت شهور وإذا بأنثى الفيل تصل لقصر الوالي، وأخذ الحرس الفيل والفيلة سويا إلى محلات الخضروات، وصُعق الجمع بما رأوا فقد زادت الخسائر مضاعفة مما كان يلتهم الفيل واليوم بات العدد إثنين.
سأل الجمع رئيس مجموعتهم الذي خذلوه عن ما رأوا، فأعاد عليهم السؤال، أين كنتم في موعد اللقاء مع الوالي حينما سرنا سويا ووجدت نفسي أمام الوالي وحيدا، فنظر الجمع لبعضهم وأدركوا أن المدن بسلوك وتصرفات وفعل رجالها، وليس بحديث القال والنفاق والبحث عن الفائدة الفردية والخروج منها منفردا بواسطة أو سلطة أو معرفة أو حظوة عند صاحب القرار بينما الحل متوفر لدى من كانت ابوابه مقفلة يفتحها عندما يصل له جمع يرفعون له الظلم وأسبابه فيعرف ماذا يدور هنا وهناك .
وعندما تعشق بلدك فأنت عاشق لمدينتك ومن تعيش وسطهم وبينهم ، فالمدن هي الأم المجازية في حلك وترحالك، وإخلاصك وأماناتك، فلا مدينة ولا محافظة ولا قرية بدون ناس، فالصحاري صامتة كئيبة تجتاحها الرمال، لا زرع ولا صوت غير صوت الرياح المخيفة، وبعض الحيونات العابرة المفترسة التي تهرب من المدن في معرفتها الغريزية لا بقاء لها خوفا من تكاتف الناس على محاربتها وقتلها من أجل البقاء.
وشريعة الغاب يبتعد عنه الناس لأن أصل العيش فيها الكبير يأكل الصغير والقوى يظلم الضعيف وتلك حيوانية لا تتمشى مع تآلف الناس في نظامها الإنساني وتعاطفها الغريزي ونصر المظلوم سواء من تشريع رباني أو قوانين وضعية، وتبقى شريعة الله هي الحق المبين في التساوي ودفع الناس بعضهم ببعض فتعتمر الديار ويعيش الإنسان بسلام.
وما أبغض الإستحواذ على المصالح الخاصة عندما يشترك الناس في ضرر يلحق الكثير فتجد بعض الأفراد يبحثون عن الفرار من الضرر منفردين بأنفسهم فلا يهمهم غير أنفسهم وهم جزء من المجتمع العريض، ويفرحون أن وجدوا مخرجا لأنفسهم ولا تعنيهم مشاركة الآخرين للوقوف ضد الضرر يدا واحدة في رفع الظلم عن الجميع وتصحيح الأخطاء التي وقعت على جملة من الناس، فيبحث البعض عن مصلحته منفردا أو ينتظر من يضع له الحلول ويقف متفرجا فأما يلحقه رفع الضرر أو يقول انا بعيد عن وجع الرأس.
تلك من القصص المأثورة التي تحكي حال البعض أن الإنفراد لإيجاد الحل الفردي لضرر لحق بالجميع ليس من سلوك الرجال وشيمها ومبدأ رجولتها، إنما اللحمة الحقيقية هو الإصلاح طالما سخر الله في كل مكان من يستمع ويرفع ويصحح الظلم.
عاش الفيل مع أنثاه حتى توفاهما الله وكان حظ التجار أن الفيل لم ينجب افيالا ، فتلك أضرار تستمر وتلحق يوما من أراد أن يعيش لنفسه ويخرج من خندق اجتمع القوم بداخله قسرا، فاليوم قد يجد مخرجا لنفسه وغدا يحتاج الجمع فلا يجد من يقف معهم فالأحوال لا تبقى على حالها وتدوم، عندها يلاقي مصيرا ويخذله الجمع ، ليردد ليت الذي حصل ماكان.
بقلم
أ. طلال عبدالمحسن النزهة