وصف الله الموت في القرآن

كتبه : أبو بسّام منوّر فيروز - باحث في جامعة كاليكوت بالهند
الموتُ حقيقةٌ دامغة، لا يملك أحدٌ إنكارها، ولا يسعُ عاقلًا تجاهلها؛ فهو يقينٌ تُجمع عليه البشريةُ منذ الأزل. وقد زخرت آيات القرآن الكريم بتذكيرٍ عميقٍ بهذه الحقيقة، وفي هذا الموضع يسعى الكاتب إلى إماطة اللثام عن بعض من تلك الإشارات الربانية التي تهزّ القلوب وتوقظ الأرواح.
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (سورة آل عمرن:١٨٥)
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ () كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ () (سورة الأنبياء:٣٤، ٣٥)
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (سورة العنكبوت:٥٧)
الموت يدركنا مهما ابتعدنا، ويصيبنا حيثما كنا، فلا ملجأ منه ولا مناص.
أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ (سورة النّساء:٧٨)
في أي مكان كنا، سيأتينا ملك الموت في الوقت المقدر، فلا مفر من لقائه، ولا مهرب من قضائه.
قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (سورة السجدة:١١)
لا يملك أحدٌ منّا الفرار من هذا المصير المحتوم الذي قضاه الله علينا في يوم معلوم.
قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (سورة الجمعة:٨)
لا أحد يملك قهر لحظة الموت أو دفع ساعته إذا حان أوانها.
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (سورة النحل:٦١)
لا أحد يستطيع الهروب من الموت. وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ (سورة ق:١٩)
نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (سورة الواقعة:٦٠)
لا مفرّ لأحد من الموت، فهو قدر محتوم لا ينجو منه أحد مهما تعاظمت قوته أو اتسعت سلطته.
فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ﴿٨٣﴾ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ ﴿٨٤﴾ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ ﴿٨٥﴾ فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ﴿٨٦﴾ تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿٨٧﴾ (سورة الواقعة:٨٣-٨٧)
ربما يكون هذا المحتضر هو أخوك أو أختك، أو والدك أو زوجك، أو زوجتك، أو ابنك أو ابنتك، أو حتى صديقك. وبغض النظر عن من هو، فلا يمكنك إنقاذ حياته إلا إذا أوليت له الرعاية والاهتمام اللازمين.
يذكر الله تعالى في كتابه العزيز لحظة الوفاة قائلاً:
كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ﴿٢٦﴾ وَقِيلَ مَنْ ۜ رَاقٍ ﴿٢٧﴾ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ ﴿٢٨﴾ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ﴿٢٩﴾ إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴿٣٠﴾ (سورة القيامة:٢٦-٣٠)
الموت هو واقع مرعب لا تنفع معه أي طقوس أو تعويذات، ولا يوجد له دواء شافٍ، ولا قادرٌ مهما علا شأنه من الأطباء على إنقاذنا منه.
إنّ موتنا حقٌ لا ريب فيه، فلا ينبغي أن نعيش في توهّم ماذا سيحدث للآخرين بعد رحيلنا، من زيارات وحزن وافتقاد، بل لنسأل أنفسنا بصدق: ماذا أعددتُ لنفسي عند لحظة الفناء؟ فلنجعل همّنا الأول أن نرحل عن هذه الدنيا ونحن على إيمانٍ راسخ، مؤمنين حقًا، نودّع الحياة ونحن في حالة إسلام ورضا.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (سورة آل عمران:١٠٢)
وقد أوصى النبيان العظيمان يعقوب وإبراهيم عليهما السلام أبناءهما بهذه الوصايا الكريمة، ليكونا نبراسًا يهتدي به الأجيال.
وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (سورة البقرة:١٣٢)
ويتجلّى ذلك جليًا في دعاء النبي يوسف عليه السلام، حيث قال:
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (سورة يوسف:١٠١)
أهل الإيمان الخالص والقيام بالأعمال الصالحة هم الذين يحظون بالسعادة والراحة عند لحظة الوفاة.
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴿٣٠﴾ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴿٣١﴾ نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ﴿٣٢﴾ (سورة فصلت:٣٠-٣٢)
يُبشّرهم الملائكة بأنهم لا يأسفون على وداع الدنيا، ولا يجزعون من لقاء الآخرة.
في حين أن الموت هو تجربة سعيدة للمؤمنين، إلا أنه تجربة رهيبة لغير للكافرين.
وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (سورة الأنعام:٩٣)
فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (سورة محمد:٢٧)
إن أردنا أن نلقاها فرحين مستبشرين، فلا بد أن نهيئ حياتنا لها منذ الآن، فإن الندم في ساعة الرحيل لا ينفع، والتأسف في حين الفناء لا يُجدي.
وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴿١٠﴾ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿١١﴾ (سورة المنافقين:١٠، ١١)
إن باب التوبة يُغلق عند مشارف الموت، فلا يقبل الله توبةً تُؤتى على فراش الرحيل.
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (سورة النساء:١٨)
حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴿٩٩﴾ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴿١٠٠﴾ (سورة المؤمنون:٩٩، ١٠٠)
فلنتهيأ للقاء الموت الميمون بأن نُحسن استثمار أموالنا وأوقاتنا وصحتنا، وكل نعمة أفاء الله بها علينا في طاعته ومرضاته، إذ لا ندري متى يأتي الأجل، ولا أين ستكون دارنا الأخيرة.
وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ (سورة لقمان:٣٤)
مهما كان موطن الرحيل، وأينما حلّت ساعة الفناء، فلنحرص أن نودّع الدنيا ونحن على صراط الإيمان الخالص، وقد تبلّل جباهنا بعرق الاجتهاد والصدق في طاعة الله.
أسأل الله العظيم أن يمنّ علينا بخاتمة مباركة، تطيب بها أنفسنا وترضى بها أرواحنا، فتكون ختاماً مشرفاً لحياتنا.


