كُتاب المقالات

الكلمة الطيبة صدقة

بقلم - عبير بعلوشة

باتت لغة الحوار وأسلوب التخاطب ميدانًا يكشف عن مستوى الوعي والتهذيب الذي يحمله الأفراد. ومن المؤسف أن نشهد في بعض الأفراد ظاهرة الألفاظ السوقية والأساليب الاستفزازية في الحديث، (ليس له عمر نلاحظها في فئات عمرية مختلفة )، الأمر الذي يثير تساؤلات عدة حول جذور هذه الظاهرة، وكيفية التعامل معها على المستوى التربوي والمجتمعي.

كثيرًا ما نحذر أبناءنا من مخالطة بعض الأشخاص الذين يُعرف عنهم التجاوز في الحديث، سواء باستخدامهم لألفاظ مبتذلة أو بأسلوبهم الذي يتسم بالتطاول وقلة الاحترام. وليس الدافع لهذا التحذير خشية أن يتأثر الأبناء بأسلوب هؤلاء فحسب، بل لأننا نؤمن بأن أبناءنا يستحقون بيئة لفظية راقية، وصحبة ترتقي بهم، لا تجرّهم إلى مستويات وضيعة من التعبير.

وكثيرًا ما نواجه في حياتنا أشخاصًا لا يُجيدون فن الحديث، وتدل طريقتهم على جهل، لا يرتبط بعمر أو تعليم.
تجدهم يرفعون أصواتهم، يقاطعون الآخرين، أو يستخدمون كلمات جارحة لا تراعي الذوق العام ولا احترام الآخر.

وللأسف، اللسان مرآة العقل والأخلاق. فما يخرج من الفم يعكس ما في القلب والفكر، ويُظهر مستوى الشخص الحقيقي، لا مجرد مظهره أو منصبه.

وقد يتساءل المرء، وهو يواجه هذه النماذج، إن كانت قد مرّت خلال طفولتها بمراحل تعليمية كافية لغرس قيم الأدب والاحترام، أم أن هذه المهارات غابت عنهم بسبب إهمال أسري أو قصور تربوي؟
وفي ذات الوقت، لا يمكن تجاهل سؤال آخر أكثر تعقيدًا: هل يدرك أصحاب الأسلوب السوقي أن طريقتهم في الحديث منفّرة ومرفوضة؟ أم أن هذا السلوك يُمارَس عن وعي، وربما كنوع من فرض الهيمنة أو التقليل من شأن الآخرين؟

التعامل مع هذه المواقف يتطلب وعيًا وحكمة. فالمجتمع الراقي لا يُقاس فقط بما ينجزه من تقدم مادي، بل بما يحافظ عليه من ذوق عام واحترام متبادل. وعليه، من المهم أن نغرس في النشء مفاهيم الحوار البنّاء، والقدرة على التعبير عن الرأي دون إساءة، والرد على الإساءة دون انحدار في المستوى.

وعند مواجهة شخص يستخدم أسلوبًا غير مهذب، فإن ضبط النفس يُعد أول خطوة نحو التعامل الراقي. يلي ذلك توضيح رفضنا لهذا الأسلوب بشكل مباشر ولبق، دون اللجوء إلى ردود مماثلة. وفي حال استمر الطرف الآخر في تجاوزه، فليس من الخطأ إنهاء النقاش أو الانسحاب من الموقف؛ فالصمت أحيانًا أبلغ من أي رد.

إن احترام الآخرين يبدأ من احترام الكلمة، والحفاظ على الذوق العام مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الأسرة، والمدرسة، والمؤسسات الإعلامية والثقافية. ولا بد من تفعيل دور القدوة، سواء من خلال الأهل أو الشخصيات العامة، في تقديم نموذج للحديث المتزن، الذي يجمع بين الحزم واللباقة.

ختامًا، إن التهذيب ليس ضعفًا، بل هو قوة ناعمة تعكس رقي الإنسان ونُبل أخلاقه، أما السوقيّة فهي انعكاس لفقرٍ في التعبير، وخلل في التوجيه، وغياب للوعي. وبين هذين النقيضين، يتحدد مستوى أدب وثقافة المتحدث الذي يحاورك .
لسنا مجبرين على الرد بالمثل، لكننا لسنا ملزمين أيضًا بتحمّل سوء الأدب. فالصمت في بعض المواقف احترام للنفس، لا ضعف.
وفي المقابل، علينا أن نُربي أبناءنا على حسن الحديث، وقيمة الكلمة، لأن الكلمة الطيبة صدقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com