إصابات النخاع الشوكي (Spinal Cord Injury)*

بقلم: أنس الزبير - السودان
في كل عام، يواجه آلاف الأشخاص حول العالم إعاقة دائمة بسبب إصابات النخاع الشوكي، والتي غالبًا ما تؤدي إلى شلل جزئي أو كلي. يُعد النخاع الشوكي حزمة رئيسية من الأعصاب التي تنقل الإشارات العصبية من الدماغ إلى بقية أعضاء الجسم، ويقع داخل القناة الفقرية في العمود الفقري، ويشكّل جزءًا أساسيًا من الجهاز العصبي المركزي. يتكوّن من نسيج عصبي مسؤول عن الاتصال بين الدماغ والذراعين والجسم والساقين، كما يتحكم في الوظائف الحركية والحسية والوظائف التناسلية والبولية.
تحدث هذه الإصابات نتيجة أسباب متعددة، من أبرزها حوادث المرور، والسقوط من أماكن مرتفعة، والإصابات الناتجة عن الأسلحة النارية، والحوادث الرياضية، خاصة تلك المتعلقة بالقفز في المياه، إضافة إلى العوامل الوراثية والإصابة بأورام في العمود الفقري والنخاع الشوكي. وتختلف شدة الإصابة بحسب الفقرات المصابة، إذ قد تؤدي إلى شلل نصفي أو رباعي حسب موقع الضرر ومداه.
ورغم التقدم الطبي الكبير، لا تزال هذه الإصابات من أكثر أنواع الإعاقات تعقيدًا وصعوبة في العلاج. لكن الأمل لم ينقطع، حيث يشهد العالم جهودًا متواصلة لعلاج المصابين عبر تقنيات متعددة مثل زراعة الخلايا الجذعية، والتحفيز الكهربائي، والعلاج الفيزيائي، وهو ما فتح آفاقًا جديدة أمام المرضى، وغيّر النظرة التقليدية لهذا النوع من الإعاقة.
في السودان، يتزايد عدد المصابين بإصابات النخاع الشوكي، بينما تظل الحلول المتاحة قليلة ومحدودة. وأنا واحد من هؤلاء المصابين الذين يعانون من هذه الإصابة، وأشهد يوميًا على حجم المعاناة. هناك نقص حاد في فرص العلاج والتأهيل والتدريب، وحتى اتحادات الإعاقة والمجالس الرسمية لا تولي الاهتمام الكافي لهذا الملف، رغم خطورته واتساع نطاقه.
ومع ذلك، توجد بعض الجهود الفردية التي تستحق الإشادة والدعم، من بينها ما يقوم به الدكتور خالد كوكو، أخصائي جراحة المخ والعمود الفقري، الذي أجرى عمليات تحفيز للنخاع الشوكي لعدد من المرضى داخل السودان وخارجه، وحقق بعض النجاحات رغم ضعف الإمكانات والمعدات. وقد واجه كثيرًا من التحديات، بما في ذلك ضعف الدعم من الدولة والمفوضية، وحتى معارضة من بعض الجهات غير المعنية بالمجال، لكنها حاولت إحباط جهوده.
يجب علينا، نحن المصابين، أن نقف إلى جانب من يعمل من أجلنا، وأن ندعم كل من يجتهد في سبيل تطوير العلاج داخل السودان، بدلًا من اضطرار المرضى للسفر إلى الخارج في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.
تجربة الدكتور محمد بيضون في الولايات المتحدة مثال ملهم، حيث أجرى في مستشفى مايو كلينك أول عملية ناجحة لزراعة الخلايا الجذعية على مريض أصيب بالشلل الكامل أثناء ممارسة الرياضة، وكانت العملية نقطة تحول فتحت الباب للعديد من الأبحاث والفرص الجديدة في هذا المجال، رغم أن بعض المحاولات اللاحقة لم تنجح. غير أن ذلك لم يُثنِ الباحثين عن مواصلة السعي والمثابرة وتطوير المعدات والكوادر الطبية.
ما ينقصنا في السودان ليس فقط التمويل، بل الإرادة والدعم للأطباء الذين يسعون للتقدم في هذا المجال، وتهيئة بيئة علمية وصحية تساعد على البحث والتطوير في جراحات النخاع الشوكي وتأهيل المصابين. الآلاف في بلادنا فقدوا الأمل، وبعضهم لا يجد حتى فرصة للفحص أو جلسة تأهيل. لذا، فإن مسؤولية اتحاد ذوي الإعاقة الحركية والمؤسسات ذات الصلة أن تُثمِّن هذه الجهود، وأن تفتح الطريق أمامها لتثمر نتائج ترفع من معنويات المصابين.
للحديث بقية… تابعوني في المقال القادم.
تقديري ومحبتي،
*صحفي سوداني من ذوي الإعاقة الحركية


