
بقلم: علياء الشهري -
ما يُعرف بتهامة الحالية، وأُشير أنا إليه تحديدًا بـغرب جبال السراه، كثيرًا ما يُطلق عليه هذا الاسم في التصنيف الجغرافي والإعلامي الشائع. ومع انتشار هذا الاصطلاح، فقد تكرّست تسمية لا أراها دقيقة لا من جهة اللغة، ولا من جهة الجغرافيا، ولا من حيث عدالة التوصيف لهوية المكان وواقعه. هذه التسمية بحاجة إلى مراجعة واعية تكشف ما تراكم خلفها من خلطٍ وارتخاء اصطلاحي.
⸻
في أصل التسمية
“تهامة” كلمة عربية قديمة، لا تعني المنخفض ولا الساحل البحري ولا مجرد الحرارة كما شاع في الاستخدام الحديث، بل إن معناها الجذري في اللغة مرتبط بـ”التهمة” و”الاتهام” ووصم الآخر بما ليس فيه، أو بما فيه على وجه الشك أو الغموض.
فهي تدل على نوع من الالتباس في النسبة والهوية، وتدور بين دلالتي الشبهة والظن، لا على وصف جغرافي صرف. ولهذا، فإن إطلاق هذا الاسم على منطقة مأهولة وفاعلة كغرب السراه، يُدخلها ضمن حقل دلالي غير منصف، ويحمل في طياته إسقاطًا غير بريء.
وفي معاجم مثل “لسان العرب”، يُشار إلى أن “تهامة” تُفسّر بأنها من الأرض السهلة الحارة الساكنة الريح، أو من التَّهَام، أي شدّة الحر، أو من تَهِمَ إذا اشتد حرّه وسكن هواؤه.
لكن هذا التوصيف الترجماني العربي لاسم “تهامة” في لسان العرب لا يمتّ بصلة لغوية واضحة وصريحة إلى المعنى الذي نعرفه بدلالة جذرية أكيدة، وهو التُّهمة والاتّهام.
وما ورد من تفسيرات في هذا السياق، لا يخرج في حقيقته عن كونه رأيًا ظنيًا تأويليًا، ومغالطة تأويلية لملء فراغ الاشتقاق، لا أكثر.
إننا حين نعود إلى البنية الاشتقاقية والملفوظ الصوتي والدلالة الشعورية، نجد أن “تهامة” تقف أقرب إلى خانة المفردات التي تحمل في جوهرها معنى النسبة إلى الشك أو الوصم أو المواربة، لا إلى الجغرافيا أو التضاريس.
⸻
الخلط بين التسمية والواقع الجغرافي
ما يُعرف اليوم بتهامة – وأعني به غرب جبال السراه – ليس منطقة ساحلية بحرية، بل سلسلة من الأراضي الواقعة بين الجبال والبحر، تفصلها عن الساحل مرتفعات وتضاريس وتكوينات جغرافية غير منبسطة، فلا هي ساحل، ولا هي سهل بالمعنى اللغوي لتهامة.
وإذا كان معيار إطلاق اسم “تهامة” هو الحرارة والانخفاض، فإن من باب أولى أن نُطلق هذا الاسم على النفود، والدهناء، ونجد، والربع الخالي، لأنها تشترك في ذات الخصائص المناخية والسطحية.
لكن هذا القياس غير سليم؛ لأن التسمية الجغرافية لا تُبنى على الصفات العامة، بل على الخصائص البنيوية والموضعية الدقيقة.
إن تعميم وصف “تهامة” على كل ما هو منخفض أو حار دون تدقيق، يُنتج تشويشًا معرفيًا وخلطًا في الفهم الجغرافي، ويُضعف الصلة بين الاسم والمكان، بين اللغة والتكوين، بين التاريخ والهوية.
⸻
البُعد اللغوي والدلالي: التهمة والاتهام
تتجاور لفظيًا مفردة “تهامة” مع كلمات مثل “تهمة” و”اتهام” و”تتهيم”، وكلها محمّلة بإيحاءات سلبية من حيث اللفظ والمعنى.
وليس من العدل أن تُلصق هذه الدلالات بمكانٍ لم يرتبط بها لا سياقًا ولا دلالة، كأنما تُنسب له صفة غيره، أو يُرمى بشبهة لغوية لا تليق بطبيعته، ولا تعبر عن أهله وتاريخه.
إن ربط أرضٍ فاعلةٍ بتاريخها، كريمةٍ بموقعها، باسمٍ يحمل ظلّ الاتهام أو الالتباس، هو نوع من الاغتراب اللغوي القسري، الذي لا يخدم الإنصاف، ولا يعبّر عن العمق الهوياتي للجغرافيا.
⸻
خلاصة
تسمية غرب جبال السراه بـ”تهامة” لا يقف خلفها أساس لغوي دقيق، ولا ينهض لها تفسير جغرافي منضبط، بل نشأت من موروث شائع أو اجتهاد غير مدروس.
التسمية العادلة لهذا الامتداد الطبيعي هي ما يُراعي واقعه البنيوي، كأن نقول:
“غرب السراه”، أو “المغرب الجبلي”، أو “السراة الغربية”، فهذه عبارات تُنصف الأرض وتعيد لها حقها في التسمية الواضحة والحيادية.
فكما أن الحق في التاريخ لا يُختزل، فكذلك الحق في الجغرافيا لا يُستعار.
والهوية تبدأ من الاسم، ومن العدل أن يُدعى كل شيء باسمه، لا بما يُراد له


