كُتاب المقالات

بين الكرامة والبارانويا… حين تتحول السقطة إلى سؤال وجودي

بقلم - علياء الشهري

بوح امرأة وحسرتها لأنها لا تنجرح ولا تتكرم باحتقار الذات والدفاع عن شعور الاحتقار الذاتي.

تقول صاحبة البوح:
*“تخيلت نفسي ذات يوم أترشح لسفارة بلادي في أي دولة آسيوية أو غربية، ثم يترافق نشر الخبر في الصحف بسقطاتي السلوكية الغير مدبرة لي والغير مصنوعة، حين أتعامل معها بوعي الانتظام في العلاج النفسي بمواعيده، ثم يتكنسل خبر الترشيح التكريمي بفضيحة انتشار فديو لي أو صورة تسربت إما باختراق هاتفي أو بسقطة سلوكية لي نتيجة عدم تعاطي العلاج وليست بكيد مدبر كما أهلوس عند التوقف عن تعاطي العلاج.

ومما أصابني بالفاجعة في نفسي ليس إجهاض الترشح لسفارة بلادي مثلًا أو التكرم الاجتماعي، إنما الذي أذهلني في ذاتي عندما تخيلت هذا الموقف المدبر أصلًا إذا تعاملنا معه بعقلية الإهمال في العلاج النفسي، نستدرك ونقول الذي أذهلني في المشهد أنني لن أنجرح أبدًا ولن أبكي ولن أتحسر بل سأضحك ضحكة التعجب المغلف بالسخرية وكأن شيئًا لم يكن.

فأسعفوني هل أنا عديمة الكرامة أو عديمة الإحساس أو عندي فرط ثقة بالذات كما وصفه مستشفى شهار النفسي برانويا العظمة؟”*

هذا النص يعكس معضلة مركبة: هل الكرامة تقاس بالقدرة على الانكسار أمام الفضيحة؟ أم تقاس بالصلابة والضحك على الجرح وكأنه لا يستحق النزف؟

في علم النفس، يُصنف بعض الأطباء مثل هذا الموقف ضمن ما يُسمى “فرط الثقة بالذات” أو “بارانويا العظمة” حين يتجاوز الإنسان حدود التماسك الطبيعي إلى إنكار كامل للألم أو تجاهل للاحتقار الاجتماعي. لكن القراءة الفلسفية لهذا الموقف تكشف وجهًا آخر: ربما يكون هذا الضحك شكلًا من أشكال التمرد، رفضًا لأن يكون المرء رهينة لنظرة الآخرين أو عبدًا لصورة إعلامية عابرة.

إن المرأة هنا لا تطرح مجرد استغاثة نفسية، بل تكشف عن مأزق اجتماعي وفكري: فإذا بكت وتفتت قيل عنها ضعيفة، وإذا ضحكت ساخرًة قيل عنها بلا إحساس أو مصابة بجنون العظمة. أي إن المجتمع يحاصرها في الحالتين، ليجردها من إمكانية التعريف الحر لكرامتها.

اللافت أن النص يطرح معادلة لا تخص صاحبة البوح وحدها، بل تمس كل إنسان في زمن الهيمنة الرقمية والفضائح الإلكترونية: هل يملك المرء حق الضحك على سقوطه؟ أم أن الكرامة تظل مرهونة بنظرة الآخرين وتعليقاتهم؟

قد تكون الإجابة أن الكرامة الحقيقية لا تُقاس لا بالبكاء ولا بالسخرية، بل بقدرة الإنسان على أن يبقى سيد قراره النفسي، يختار متى يتألم ومتى يضحك، ومتى يحول الفضيحة إلى طرفة بدل أن تكون لعنة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com