عودة في يوم الوطن 95

مقالات وطنية - بقلم/ د. أمل ثائب المطيري
اليوم الوطني السعودي الخامس والتسعون ليس مجرد مناسبة للاحتفال برمز تاريخي أو ذكرى تأسيس، بل هو بالنسبة لي لحظة تأمل عميقة في رحلة امتدت عقدًا من الزمن بعيدًا عن أرض الوطن. عشر سنوات قضيتها مبتعثة في الخارج، كانت رحلة بحث عن المعرفة وتجربة إنسانية ثرية شكّلت شخصيتي وأثرت مساري بقدر ما منحتني من علم وخبرة. واليوم، وأنا أعود لأحتفل مع وطني بهذه المناسبة، أشعر أنني أحمل معنى جديدًا للانتماء والولاء.
حين بدأت رحلتي كنت مثقلة بالطموحات وكثيرة الأسئلة: كيف يمكن لابنة هذا الوطن أن تحمل رسالته في الخارج؟ وكيف أعود إليه وقد أصبحت أكثر نضجًا وقدرة على خدمته؟ الابتعاث لم يكن مجرد دراسة أو شهادة، بل كان تجربة لبناء الذات واختبارًا لقدرتي على التكيف مع بيئات ثقافية متعددة. عشت سنوات من التحدي والحنين، لكنني كنت أحرص في كل لحظة أن أكون صورة مشرّفة لبلدي، تلك الصورة التي تسبقني كلما سمع الآخرون كلمة “السعودية”.
الغربة في حد ذاتها معلم عظيم، فهي تكشف لك قيمة الوطن أكثر مما تفعل المسافات القريبة. كل مرة افتقدت فيها تفاصيل الحياة في السعودية، وكل مرة وجدت نفسي أشرح للعالم من أين أتيت، كنت أدرك أن الوطن يسكنني بعمق أكبر مما كنت أتصور. حتى اليوم الوطني، الذي اعتدت أن أحتفل به بعيدًا عن الأرض، كان بالنسبة لي رمزًا حيًا يجدد في داخلي مشاعر الانتماء. كنت أرفع العلم وأردد النشيد في غربتي كأنني أكتب عهدًا متجددًا بالوفاء، أما اليوم فأشعر أن الدائرة اكتملت وأن الفرح اكتسب معناه الحقيقي وأنا أحتفل على أرض الوطن.
اليوم الوطني يعكس قصة تأسيس بنيت على إرادة وطموح لا يعرفان المستحيل، والابتعاث هو امتداد لهذه القصة، لأنه استثمار في الإنسان السعودي وإيمان بقدراته على أن يكون جزءًا من حركة العلم والمعرفة عالميًا. تجربتي تجعلني أرى في ذلك التلاقي عمقًا خاصًا، فكما وحّد المؤسس أرض الوطن لتصبح كيانًا واحدًا، يوحّد الابتعاث أبناء الوطن رغم تفرقهم في أصقاع العالم، ليجتمعوا على مهمة واحدة هي أن يكونوا سفراء علم ووفاء لوطنهم.
لكن العودة بعد عقد من الابتعاث ليست نهاية لرحلة، بل بداية لمسؤولية جديدة. فأنا اليوم أدرك أن ما اكتسبته من معرفة وخبرة ليس ملكًا لي وحدي، بل هو أمانة أضعها في خدمة وطني. وهنا يتأكد لي أن الاحتفال الحقيقي باليوم الوطني لا يقتصر على رفع الأعلام وترديد الأهازيج، بل يكون بأن يضع كل واحد منا جهده وعلمه في مسيرة البناء، لنكون جميعًا شركاء في صناعة مستقبل وعدت به رؤية 2030.
إن اليوم الوطني فرصة لنقول للوطن: شكرًا لأنك منحتنا الفرصة أن نتعلم ونسافر ونحلم، وشكرًا لأنك دائمًا الوجهة التي نعود إليها مهما ابتعدنا. بعد عقد من الغربة أدركت أن الوطن ليس مجرد مكان نعيش فيه، بل هو هوية تعيش فينا أينما كنا. وفي عامه الخامس والتسعين أحتفل بالسعودية وأنا أكثر يقينًا بأن المستقبل الذي نصنعه معًا سيكون امتدادًا لماضٍ نفتخر به وحاضرٍ نعيشه بكل اعتزاز.
بقلم/ د. أمل ثائب المطيري
أستاذ مساعد في جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية- وزارة الحرس الوطني



بارك الله جهودك ونفع الله بك الاسلام والمسلمين،،، عبارات رائعة و ومشاعر صادقة في مقالك ،، الحمد لله على التمام وعوداً حميداً دكتورة أمل .
دمتِ مبدعة ومشرّفة يا د. أمل، كلماتك انعكاس لروحك النقية ، وتجربتك ملهمة لكل من يعرفك ويعرف مامررت به خلال ابتعاثك. نفتخر بكِ زميلةً وصديقةً، فأنتِ مثال للأخلاق الرفيعة والعطاء اللامحدود، واسمكِ يسطع دائمًا حيث يكون التميّز والإبداع