مرزوق الحربي – القنفذة
اوضح الدكتور محمد خريص المرحبي المهتم بالتاريخ والبلدانيات، عضو جمعية تراث القنفذة، عن أشهر وأكبر الأسواق المندثرة التي لها مكانتها التراثية في المنطقة وهو سوق“حباشة” التاريخي،
وبعد الاختلافات المتعددة للمهتمين في هذا الشأن حول موقع السوق والذي يعتبر من الأسواق التجارية القديمة، وحسب المعلومات من الباحث والمؤرخ المرحبي بأن هذا السوق يعد من الأسواق التي أشتهرت بالتجارة قبل العصر الإسلامي، إضافة إلى أن التاريخ الاسلامي يثبت أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يتاجر للسيدة خديجة رضي الله عنها به .. قبل انطلاق الرسالة المحمدية .
المؤرخ :الدكتور محمد المرحبي، قال: سوق حباشة يقع في المملكة العربية السعودية، وتحديدا ( في ديار الأوصام من بارق , من صدر قنونا وحلي , على طريق الجند) وهو إرث لأبناء هذا الوطن، ومكتسب ثقاقي تراثي لبلدنا ونحن نسعى للوصول للحقيقة، قدر المستطاع وفق الأدلة المتاحة ، وأما حباشة لغويا فهي : تعني المجموعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة (البكري، المسالك ٢/٤١٨) , وهذه السوق هي أكبر سوق تهامي، حضرها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم خلال تجارته للسيدة خديجة رضي الله عنها، وسوق حباشة من اواخر أسواق العرب خرابًا عام 197هـ , لقبيلة الأزد على بعد ست ليال وقيل ثمانية مراحل بناحية مكة وقيل بناحية اليمن وتتبع والي مكة حينها , هذه السوق التاريخية كانت تقام مرة في الموسم وتحديدا في شهر رجب (الأزرقي ص٥١، الحموي، ٢/٢١٠،ابن سعد ٤/٢١٦).
وبين المؤرخ المرحبي بأن ما ذكر أعلاه هو خلاصة أهم أقوال المؤرخين المتقدمين عن سوق حباشة،
ولتحديد موقع السوق نحتاج تمحيص ما ذكر أعلاه فهو المتاح حتى اللحظة .
واضاف المرحبي خلال حديثه لـ ( خبر اليوم ) على الرغم من أهمية ما ذكر إلا أن هناك إشكاليتان هما : قلة النصوص , وتعدد التفسيرات لها , فضلا عن تغير حادث في بعض المعلومات بسبب طول المسافة الزمنية الفاصلة بين النصوص ووقتنا الحالي، وحسب ماذكرت سابقًا أن حباشة مجموعة من الناس طالما ذكرنا سابقًا أن معنى حباشة هو مجموعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة فمعنى هذا أن موقع السوق وإن كان في ديار الأزد، لا يعني هذا أنه لابد أن يكون في مركزها مثلا، بل يمكن أن يكون في أي مكان من ديارهم، بل أميل لأن يكون قريبًا من القبائل الأخرى ، لأن هذا يعطي المبرر الرئيسي لتسميته , خاصة إذا علمنا أن تحالفًا مثل تحالف الأحابيش والذي يعطي نفس دلالة حباشة ,هو مجموعة من القبائل التي لا تنتمي إلى أب واحد فالأحابيش هم مجموعة قبائل (كنانة – عضل – القارة – خزاعة (الأزد) – دوس من زهران من الأزد )., تحالفت لمصالح معينة (الفاكهي أخبار مكة)،
وعن علاقة تلك القبائل بسوق حباشة قال المؤرخ: تقريبًا تتشارك الأزد وقبيلة كنانة منذ القدم ولا زالت في غالب أودية تهامة ( دوقة – قرماء- ناوان – الأحسبة –قنونا – يبه – حلي – راكة – ضنكان ) , فغالبًا بطون الأودية لكنانة وصدورها للأزد , ولكن هناك تداخل كبير بينهما في الساحل فضلًا عن نزول قبائل الأزد في الأودية إلى حدود البحر , وهذه الحدود تتغير مع الزمن صعودًا وهبوطًا, وهذا يجعل حدود ديار القبيلتين في المناطق المشتركة غير دقيقة وثابتة، وعلى كل حال فديار الأزد وكنانة كلاهما في تهامة التي تعتبر منطقة السوق .
وعن دقة أين يقع سوق “حباشة” بالضبط حسبما ما لدى المؤرخ الدكتور المرحبي من بحث وجولاتك ، وكذلك إستدلالك برأي كبار السن من سكان تلك المنطقة المعنية بموقع السوق يقول المؤرخ: السوق يقع على طريق الجند :والجند مدينة شرق تعز في اليمن ومحجة الجند هي محجة صنعاء كما ذكر (الهمداني، الصفة ١٨٨) , ومحجة صنعاء لها طريقان في تهامة , طريق الساحل وطريق المحجة العليا القديمة وما يهمنا هو المحجة العليا القديمة فعليها كان يقع السوق وكانت المحجة العليا إذا وصلت إلى حدود حلي الجنوبية، ترتفع من المعقد (ما زال معروفا) جنوب حلي إلى حلي العليا التي تسمى حلية حتى اللحظة , {إحداثيات قرية حلية (18.7813371, 41.5878134)} (بحيرة سد وادي حلي حاليًا) وهي من ديار بني حرام من كنانة ( الهمداني، الصفة ١٨٨) ،, فيخرج منها طريقان واحد يخرج إلى مركز جمعة ربيعة والآخر يخرج إلى قرية الجرد فقرية مشرف شرق مركز القوز جنوب محافظة القنفذة , وكلا الطريقين تقع في حدود ديار الأزد وعلى كل حال فهذان الطريقان تعتبران من المحجة القديمة والآثار التي في جنوب قرية الجرد ( حيلة المقاعدة ) وفي قرية مشرف تدل على أن الطريق جاهلي قديم يمثل المحجة العليا اليمنية القديمة التي تصل إلى عشم (شرق مركز المظيلف شمال محافظة القنفذة).
وابان المؤرخ الدكتور المرحبي : ان الصدر ما كان أعلى البطون من الأودية وبطون الأودية أسفل الصدور بجهة البحر والصدور بالنسبة لها أعلاها من الجبال وهذه الصدور من قنونا وحلي في أسافل الجبال تتشابك فروع الأودية فيها وإذا علمنا أن وادي يبة في المنتصف بينهما فإنه حلقة وصل وتشارك بينهما فلا ضير في إطلاق صدر قنونا وحلي كموقع للسوق خاصة في أسفل جبال تهامة لأن تفرعات الأودية الملتقية أكثر منها في الصدر الأول المرتفع من الأودية أسفل جبال السروات مباشرة فهناك لا يمكن التقائها البتة خاصة وبينهما وادي يبة والمسافة بين صدر قنونا الأعلى وصدر حلي الأعلى بعيد جدا بعكس ما قلنا ! .
واسترسل المؤرخ في حديثه لخبر عاجل موضحا ما ذكر سابقا أن السوق في ديار الأوصام من بارق، هل السوق في بارق المكان أم منسوب لبارق القبيلة ؟
فاوضح : بلا شك أن المقصود بارق القبيلة وهي من الأزد وليس بارق المكان فكل النصوص التي تطرقت لذكر بارق، تنسب السوق لبارق القبيلة الأزدية وليس لمكان اسمه بارق وهذا يعطي تبريرا لوقوع السوق في ديار الأزد وان اقتربت منها قبائل أخرى حاليا، فمواطن القبيلة تتوسع وتنكمش , والموقع المقترح للسوق يقع في ديار الأزد على كل حال،
واضاف المؤرخ: لقد خرب سوق حباشة منذ عام 197 هـ وتركت كما ذكر الأزرقي (أخبار مكة، ص٥١) ت 245 هـ إلى يومه ، وَإِنَّمَا تُرِكَ ذِكْرُ حُبَاشَةَ مَعَ بقية الأسواق ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ وَلَا فِي أَشْهُرِهِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ فِي رَجَبٍ ولذا يصعب تحديده جزما , ولكن ما يغلب الظن عليه إنه يقع في قرية مشرف أو قريب منها أعلى وادي يبه بين قنونا وحلي.
وعن قوله هذا ، مع وجود الكثير من الاختلافات على موقعه من قبل المهتمين بهذا الشأن قال المرحبي: ذكرت ذلك للأسباب التالية :
لأن هذا الموقع في تهامة في ديار الأزد أو قريب منها وعلى وادي بارق ( قرية مشرف شرق مركز القوز جنوب القنفذة) وقريب جدا من ديار قبيلة ربيعة التي يقال بأنها من بارق على طريق المحجة العليا القديمة (طريق الجند ) بل أن جنوبه على الطريق تقع (حيلة المقاعدة ) جنوب قرية الجرد شرق القوز التي تعج بالآثار والرسومات التي تأكد بأن الطريق العتيق القديم يمر بها ومن صدر قنونا وحلي , وعلى مسافة 6 ليال أو ثمانية مراحل من مكة ( ٣٠٠ كم في المتوسط) وكان يتبع والي مكة بناحية مكة .
وأكمل: لقد قمت بجولة ميدانية مع الأستاذ القدير محمد بن سليمان السيد وهو من وجهاء قرية مشرف، و متخصص في الجغرافيا، ومن سليل أسرة علمية في المنطقة.
ولقد وقفنا على منطقة جغرافية منبسطة تأخذ جانبا من شمال قرية مشرف تسمى إلى اللحظة (أمهات حباشي) ومسمى حباشي موجود إلى اللحظة هناك وهذه معروفة لدى أهالي القرية، ومتوارثة منذ القدم، والعجيب أن مقبرة كبيرة عتيقة أثرية تقع إلى شرق أمهات حباشي مباشرة ولقد وجدنا بها شواهد آثارية ربما تكون من القرون الثلاثة الأولى غير منقطة الحروف وشواهد قبور عليها رسومات، وإلى الشرق منها جبل قرية مشرف الذي وجدت على قمته مبان حجرية قديمة.
واضاف المؤرخ ان من الادلة أيضا منطقة السوق المقترحة تقع على ضفة وادي يبه قريبا من الماء وطبيعته الجغرافية المنبسطة ترشح أنه يصلح سوقا وموقعه جغرافي مميز يتوسط كل القبائل المجاورة وبعد اندثاره تعددت الأسواق حوله غير بعيدة منه مثل (خميس القوز، وسبت الحبيل ، وثلاثاء يبه ،وربوع بني يعلى غربا ، وسبت الجرد ، وأحد كياد جنوبا , وأحد بني زيد شمالا , وجمعة ربيعة ، وخميس حرب، وسبت الجارة شرقا ) ، وهذا دليل واضح أن سوق حباشة أولد كل هذه الاسواق.
فبناء على كل ما سبق أرى أن السوق في قرية مشرف أو قريب منها.
الدكتور محمد خريص المرحبي ذكر انه أول من أشار لهذا الموقع ودرس وبحث امكانية وقوع السوق به،
مضيفا: ان ما ذكرته هو غيض من فيض، ونظرا لأنه تحقيق صحفي لا يحتمل المقام لسرد كل شيء عن السوق، ولدي بحث محقق عن الموقع بكل تفصيلاته والأدلة على الطرق والمسميات والأشعار التي ترفد ما أقول لعله يرى النور قريبا بحول الله في كتاب مستقل، أو بحث في مجلة علمية محكمة .