“دور الدعم الاجتماعي وتأثيره على الصحة النفسية”

بقلم - أ. منال عبيد الشيبانيالشيباني
الصحة النفسية مطلب من مطالب الحياة الإنسانية، فالنفس لها الحق بالتعافي مثلها مثل الجسد، فالرغبة في التعافي هي نقطة انطلاقة جديدة وليست نهاية مطاف. الإنسان هو المسؤول عن تحديد مساره في هذه الحياة، لكن للأسف معظم البشر يجعلون مسار حياتهم في يد الغير. أغلب الذين يعانون من اضطرابات نفسية يرفضون التحاقهم بالمراكز العلاجية، ليس بعدم رغبة منهم في التعافي بل خوفًا وخجلاً من محيطهم الاجتماعي، حيث إن النظرة الاجتماعية للفرد وعائلته هي التي تحدد مصيره ومستقبله.
إذا كان الفرد محاطًا بمجتمع متعلم ومثقف علميًا ومتقبل للعلاج النفسي والالتحاق بمراكزه، أصبح أكثر إدراكًا وتفهمًا لاحتياجاته النفسية، وتسهلت العملية العلاجية دون تردد وخوف، مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة التعافي وقلة الاضطرابات النفسية في هذا المجتمع نتيجة لوعيهم العلمي والاجتماعي والنفسي.
أما إذا كان الفرد محاطًا بمحيط اجتماعي ذو وعي محدود تجاه الصحة النفسية، أصبح هذا المجتمع مثل الفوّهة يسحب أفراده للقاع. فالنظرة الدونية تجاههم تجعلهم ذوي عزوف قوي عن التقبل للاضطرابات النفسية وخوض رحلة علاجية آمنة ذات أساس سليم مبني على المعرفة والخبرة العملية، مما يشكل خطرًا على الأفراد والمجتمع. فعواقب عدم الوعي وخيمة، فعدم التحاقه بالمراكز النفسية أذى ممتد من الفرد حتى المجتمع بأكمله.
فالدعم الاجتماعي مطلب أساسي، ليس مجرد وسيلة لتحقيق الهدف المطلوب، بل يقع على عاتقنا جميعًا مسؤولية تقبل هؤلاء الأفراد وإقامة روابط اجتماعية معهم كأفراد فاعلين في المجتمع، لا كعبء على مجتمعنا. فالمجتمع ينهض بأفراده. عندما نكون قادرين على تحقيق الوعي بأهمية الصحة النفسية وأضرار اضطراباتها وتقبلهم كما هم، لا كما يجب أن يكونوا، وتشكيل الترابط الاجتماعي معهم كجزء من مجتمعنا، فنحن بذلك نعمل على تحقيق التنمية الاجتماعية للوصول إلى مجتمع صحي متكامل ومترابط.
الأفراد الذين لديهم اضطرابات نفسية ليسوا بحاجة إلى التعاطف ونظرة الشفقة، بل هم بحاجة إلى التقبل الاجتماعي وتعامل مبني على الاحترام لا الشفقة، أي كجزء مثمر بنّاء في محيطه الاجتماعي.
فالدعم الاجتماعي لا يقدّم فقط من قِبل المؤسسات الاجتماعية، بل نصف المسؤولية يقع على عاتقنا كأصدقاء وآباء وأمهات وإخوة. فجميع الأدوار الاجتماعية من الممكن أن يكون دعمها ذا طابع اجتماعي يشعر الفرد بالأمان والانتماء لمحيطه، ومن ثم عدم خجله من معاناته النفسية. وقد ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام في حديثه الشريف: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا”، فتطبيقًا لهدي نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، يجب علينا التكاتف لنشر الوعي بأهمية الصحة النفسية وتقديم الدعم الاجتماعي لكل من يعاني من هذه الاضطرابات النفسية.
وفي ختام هذا المقال، تذكرت مبدأ في تخصصي الخدمة الاجتماعية منذ دراستي حتى وقتنا هذا، يتردد هذا المبدأ في ذهني ووددت أن أشارككم إياه كرسالة اجتماعية لكل من يقرأ مقالي هذا. فالخدمة الاجتماعية تقوم على مبادئ يجب أن نلتزم بها كأخصائيين اجتماعيين، ومن هذه المبادئ هو مبدأ التقبل، القائم على قيمة اجتماعية مؤداها تقبل الأفراد كما هم بأخطائهم وعرقهم وثقافتهم ودينهم، لا كما يجب أن يكونوا. والآن أصبح عامة الناس مطلعين على هذا المبدأ، والذي أصبح ليس مجرد مبدأ محصورًا لنا كأخصائيين، بل مبدأ اجتماعي لجميع قراء هذا المقال


