جلسَ على الرصيف يفكر واجمًا ، خاف من أن تخرج عليه صاحبة البيت المجاور فتلقنه درسًا في الابتعاد عن بيتها ، حضر إلى الرصيف هاربًا من قذف القدور على رأسه فتذكر أن صاحبة البيت القريب ستضربه بمثلها عن قرب ، وهو يضع رأسه بين ركبتيه ويتحسر على أيام حملت له المآسي شعر بيد تضرب على رأسه برفق ومع الضرب نداء خفيف ...ماالذي جاء بك إلى هنا؟ولم تجلس بجانب باب مهابة ؟ رفع رأسه وهو متكدر وعلى محياه سواد الليل وظلمة كئيبة ، سألته كأنك لم تغير رائحة النوم ولم تتناول فطورك بعد؟! أجهش بالبكاء وارتمى في أحضانها،قالت له: ابكِ كما كنتَ تبكي وأنا أرضعك مع ابنتي ،أنا أمك التي لم تلدك ،لمَ لمْ تفطر بعد ؟ولمَ لا أرى في وجهك إشراقة الصباح؟ازداد بكاؤه وانهمرت دموعه على ثوبها ،قالت له :انهض فأنا أعرفك جيدا ،اقبض على يدي بكل قوتك ،أحست بالنبض يجري في عروقه بينما حرارة شرايينه تنضح تحت جلده ،وضعت عينيها في عينيه لترى صفاء البياض والسواد فيهما ، تأملت شبابه وفتوته ، هدّأت من فورة الحزن الذي سكن فؤاده ،سألته هل تخاف منها ؟ لم يجب عن سؤالها ، وضع يده خلف رأسه وهو يرتعش ، عرفت أنها تقذفه من الخلف بالأواني ،حاصرته بأسئلتها عن الفطور ،عن رائحة التوابل في آلة الطحن في الصباح ، وعن رائحتها؛ لمَ لمْ تخرج من الشباك ، وهي تُشعل فيه جذوة الغيرة شمّت الرائحة من البيتٍ المجاور ،استنشقت الرائحة وضربت بإصبعها على أنفها وأشارت إلى مصدر القهوة ، قادته معها إلى بيتها ،أفطرَ عندها واحتسى من قهوتها ، وعدَها أن يعزمها في صباحَ يومٍ على فنجان مماثل في شروق مختلف،وأن تحضر مراسم طحن مكونات القهوة عنده ، انتقل إلى بيت جديد ، أظهر فتوّةً غير التي كان عليها ، دعا أمه التي أرضعته كي تشاركه الفرحة ، صبَّ لها القهوة وناولها فامتنعت حتى يسمع صوتَ فرحتها كلُّ الجيران ، قال لها: لن تجديني غدًا تحت سور خالتي مهابة أندب حظي ، سمع صوت القدور تُقذف في الشارع ،أرادت أن تنتقم منه بقذفه بها فرفع لها ذراعه كي يلقنها درسًا في معنى الحياة ، تركها تجمع أوانيها وتبكي في الشارع على رائحة القهوة الجديدة.
بقلم : محمد الرياني