عندما كنت صغيراً، كنت أهتم بكلام الناس لدرجة أني أتنصت عليهم بعد الخروج من الغرف المغلقة وأحياناً أسمع كلاماً يسم البدن، فلما كبرت عرفت أن رضاء الناس غاية لا تدرك وكما قيل: "قد قالوا إن الله سبحانه ذو ولد وإن الرسول صلى الله عليه وسلم كاهناً وساحراً، فمانجي الله ولا رسوله معاً من لسان الورى.. فكيف بي أنا؟"
قابلت شخص في إفطار جماعي لشباب الحي، وبعد الإفطار أخذني جانباً وهمس في أذني قائلاً: هل تعرف فلاناً؟ فقلت نعم، ونعم الرجل ديناً وخلقاً، فقال لي: بالأمس في مجلس وذكر هذا الرجل بكل خير على ما يقوم به من الشفاعة في مساعدة المحتاجين وعلاج المرضى، لكن تألمت عندما سمعت أحد الحاضرين يقول عنه: وما أدراكم أنه يأخذ شيء ..
قلت له يا أخي الكريم: لا يهم ماذا يقال عنه في الغرف المغلقة ؟.. ولا بأس فكل ساق سيسقى بما سقى، ومرحباً بحسنات لم يتعب لأجلها، ومن يعمل سيُنتقد وسيقال عنه كذا وكذا، فلو جلس الواحد في بيته لا يعمل فهل سَيَتَكَلَّمُ فيه؟
بكل تأكيد لا !!
ومادام أنك تعمل ستجد فئة تذكر محاسنك وتخفي عيوبك، وفئة تذكر عيوبك وتخفي محاسنك، وفئة تذكر محاسنك وعيوبك، وفئة تتلمس لك المحاسن، وفئة تبتكر لك العيوب والبحث عن سلبياتك لإظهارها.. ولكن أغلب الناس لا تعلم أن هناك ملائكة تَكتب، وصحائف تُملأ، وكما تدين تدان .!.
الجميع ينتقد والبعض يقترح والقليل يعمل، وكل من يعمل سيُنتقد.. ثم هل بيد الواحد فينا أن يغير شيء مما يقوله الناس عنه؟؟ إذَاً على كل من يعمل يبتغي مرضاة الله والدار الآخرة أن يخلص العمل ويعمل وسيرى الله عمله وأعمال الآخرين ..
وهناك من ينتقد ولا يقصد فقه الانتقاد بعينه بل ليرضي نفسه ويوهمها بأن له اليد الطولى في الفهم والدراية، وهناك من يغلف الإهانة وانتقاص الناس بغلاف النقد فهو يمرر سموم الكلام على هيئة نصيحة يبثها بقصد التمحيص زوراً بين الغث والسمين وهو يقصد حقيقة إرضاء نفسه الدنيئة ..
*ترويقة:*
الإنتقاد إحدى سمات البشر منذ القِدم، ويختلف الناقد في بواعثه وأهدافه، وقد تتنازعه الأهواء والرغبات الشخصية، وأحياناً دون وعي منه، ومع هذا كله يظل النقد ظاهرة صحية لأنه مهما كانت بواعثه يكشف للمنقود عن بعض الخلل ويدفعه إلى مزيد من الإتقان ..
*ومضة:*
أعجبتني مقولة:-
من راقب الناس مات هماً ...
قال تعالى: (وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) ..
✒️ صَالِح الرِّيمِي
*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*