*زكـاة الـفـطــر*
فُرِضت زكاة الفطر في اليوم الثامن والعشرين من رمضان ، وقيل في التاسع والعشرين منه ، وذلك في العام الثاني من الهجرة النبوية .
زكاة الفطر فرض على كل مسلمٍ عاقلٍ ، صغيرٍ أو كبيرٍ ، ذكرٍ أو أنثى ، حرٍّ أو عبدٍ ، صام رمضان كله أو جزء منه ، أم لم يصمه لمانع أو لعذر شرعي ، أو لعجزٍ أو لكبرٍ في السن .
وهي واجبة على الغني والفقير الذي يستطيع أن يخرج عن نفسه أو عن أهل بيته ، أو متى استطاع ذلك ، على أن يكون قبل خروج المسلمين إلى صلاة العيد ، أما إذا رزقه الله بعد صلاة العيد وأخرجها فهي له صدقه ، وقد قال بعض المشايخ إنها تجزئه . والله أعلم
أما الفقير الذي لا يستطيع بتاتًا فتسقط عنه لقوله تعالى : (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) . رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه .
وأفضل وقت في أدائها هو قبل خروج المسلمين لصلاة العيد ، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين بإجماع علماء المسلمين .
ومقدارها عن الفرد الواحد صاعٌ نبويٌّ من قوت أو طعام أهل البلد ، كالأرز والبر والذرة والشعير والتمر والدقيق والعدس والفول والحمص .
والصاع مقداره أربع حفنات باليدين المتوسطتين الممتلئتين .
قال ابن باز رحمه الله : زكاة الفطر مقدارها بصاعنا الآن ثلاثة كيلو تقريبًا ، ثلاثة كيلو يَشِفُّ قليلًا ، ومعنى يشف أي ينقص .
وقد قدرها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله من الأرز فكانت ألفي ومائة جرام (أي اثنان كيلو ومائة جرام) .
* وقد أجريت بنفسي تجربة من قطمتي أرز مختلفتين ، فأخذت حفنة ممتلئة بكفي المتوسطتين في الميزان ، فظهرت زنة الحفنة الواحدة ما يقارب النصف كيلو جرام ، وبهذا فإن الأربع سيكون زنتها كيلويْن (أي اثنان كيلو جرام) .
وتختلف أوزان الأطعمة ، فمنها الثقيل ومنها الخفيف ، وسبب الاختلاف في المقاييس في زكاة الفطر ؛ أنَّ القياس فيها بالحجم وليس بالوزن ، وعلى ذلك فلا يُقاس على الأرز في بقية الأطعمة الجائزة ،
حتى في المحصول نفسه قد يختلف الوزن ، فالجديد يكون أكثر وزنّا ؛ لأنه به كمية ماء ، وإذا جف خف وزنه .
وإذا أشكل على المسلم القياس بالوزن ، فليرجع إلى الصاع النبوي الذي مقداره أربع حفنات ممتلئة اليدين المتوسطتين ، (أي ليس باليدين الصغيرة أو الكبيرة) ، فإذا كانت يدك صغيرة فزد قليلًا ، وإن كانت يدك كبيرة فانقص قليلًا .
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر ، صاعًا من تمرٍ ، أو صاعًا من شعيرٍ ، على العبدِ والحُرِّ ، والذكرِ والأنثى ، والصغيرِ والكبيرِ من المسلمين ، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس للصلاة) . رواه البخاري في صحيحه
وتعطى زكاة الفطر للفقراء والمساكين فقط ، ولا تجوز على باقي الأصناف كما في الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام الخمسة .
وزكاة الفطر طُهرةْ وكفارةٌ لما قد يحدث من الصائم من نقص أو تقصير أو تساهل ، عن جهل أو نسيان أو خطأ ، كالنظر المحرم والكذب والغيبة والسبّ والكلام البذيء أو الفاحش ، ولا يخلو صيامنا من هذا .
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال : (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر ؛ طهرة للصائم من اللغو والرفث ، وطعمة للمساكين ، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) . رواه أبو داود وابن ماجه في صحيحهما .
ولا يجوز أن تخرج من المال أو من غير الطعام عند جمهور أهل العلم ؛ لأن النبي صلى عليه وسلم وضَّحَ في الأحاديث الصحيحة أنها صاع من تمر أو من شعير ، وهي طعمة للمساكين أي من الأطعمة وليست من غيرها .
ويجوز توزيع زكاة الفطر على أكثر من فقير أو مسكين ، ويجوز أن تعطى لفقير أو لمسكين واحد ؛ لأنه لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم تحديد فيها ، وما لم يحدد ففيه الخيار .
وزكاة الفطر مطهرة للنفس والمال ، ومواساة للمحتاجين وسد حوائجهم ، وليس فيها مشقة على أحد ، بل يؤديها المستطيعون بنفس راضية ، وهي تزرع الأخوة والألفة والأُنس بين الأغنياء والفقراء ، فيذهب الحقد والحسد ، ويعم الأمن والأمان ، وهي تدل على التكاتف الاجتماعي بين المسلمين ؛ لأن بها تظهر البهجة والفرح لجميع فئات المجتمع .
هذا والله أعلم ، وهو الهادي إلى سواء السبيل .
بقلم
أ. مهدي جدُّه حكمي