الروح هائمة في صَبْيا واللُّوى، تسترجع مراتع ومدارج الصبا، وتذكر الأصدقاء والخِلاّن، وتحن إلى رُبى نَخْلان، ولكن هيهات فالجسد في حَبْسه بعيدٌ عن أهله ناءٍ عن وطنه، ليس له من تلك الأمنيات إلا خيالُ الذكريات كلما لاح له البرقُ ازداد شوقا وطربا، وطارت روحه هربا.
إن من أشد الأشياء مرارةً على النفس حينما تقع في الأَسْر، ويعظم ذلك إذا كان الأسير أميراً مطاعا، وفارساً مغواراً.
ومَن منا لا يعرف صاحب الأبيات الذائعة الشهرة، المُرهفة الحسّ التي هي من أُم القصائد في الشوق والحنين إلى الأوطان:
من لِصَبٍّ هاجَه نَشْر الصَّبا لم يزده البيْنُ إلا نَصبــــا
وأسيرٍ كلما لاح لــــــــــــه بارق القِبْلة من صَبْيا صَبا
لم يزل يشتاق نخــلان وإن قَدِم العهد ويهوى الطُّنُبــا
يا أحبائي بصبيا واللــــوى وأحيبابي بتيَّاك الرُّبـــــــــا
إنه القاسم بن علي بن محمد بن ذروة كان أميرا على وادي صبيا في القرن السابع الهجري، وقد سجنه زعيم الدولة لرسولية الملك المظفر بن عمر بن رسول في مدينة تعز اليمنية عاصمة الدولة الرسولية. والقاسم هذا من أسرة الذِّرَوَة (1) وهم على صلة بالأمراء الغوانم الذين تولوا الإمارة في منطقة جازان.
وأول أمير من الذروة علي بن محمد بن ذروة الذي تقاسم حكم المنطقة أوائل القرن السابع الهجري مع ابن عمه الأمير الغانمي المؤيد بن قاسم بن غانم (2) فكان من نصيب الذروي وادي صبيا وهو القسم الشمالي من المنطقة، واستمرت إمارة الأشراف الذروة حتى انتقالها إلى الأشراف الخَواجيين في القرن العاشر الهجري.
والدولة الرسولية من الدول القوية التي نشأت في اليمن، وامتد حكمها في بعض الأحيان إلى الحجاز، وبدأ حكمها من عام 628 هـ إلى سقوطها على يد الدولة الطاهرية عام 859 هـ.
بقلم | العابد سبعي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-واحدهم ذروي نسبة إلى ذروة بن يحى بن داود ينتهي نسبه إلى الحسن بن علي رضي الله عنه.
2-تحفة القارئ للعمودي 1/173 .