في بداية خطواتي التعليمية أذكر أني سألت أستاذي سؤلا غريبا نوعا ما ! نظر إلى في دهشة ثم قدم لي حكمة ظللت أذكرها ، ورافقتني عبر السنين فقد نقشت حروفها جدار ذاكرتي ، حينها فهمتها بشكل مجتزء ومختلف ، ومع الأيام تطور فهمها ، لأنني في حينها لم أدرك جليا معناها ولا أبعادها ..
لكن في حينها شعرت أنها كلمات لها رنين أهمية ، وربما زاد من اعجابي بها بلاغتها واختصارها لمعاني عميقة في كلمات بسيطة ، وربما أيضا كان لذلك الأستاذ الحكيم واعجابي بفكره أن جعلني احتفظ بها كل هذا الوقت ، وفي الحقيقة أجهل أسباب بقاء هذه الحكمة في ذاكرتي وبروزها أمامي في مواقف كثيرة .
وبعد مرور سنين طويلة أدركت أهمية تلك الحكمة ، واتضح لي شي من إشارتها البعيدة ، وعمق مغزاها ومما أشارت إليه النظر إلى عموم الخطابات البشرية ، وهذا الموج الهادر من الأفكار والعواصف الإعلامية ، والقنوات الإخبارية ، ووسائل التواصل ومساحة الموضوعية والمصداقية فيما تبثه ، وتحريف الحقائق والتلاعب بالعقول والعواطف . ودغدغة مشاعر الجماهير بالأوهام والخرافات و التخرصات الإعلامية .
ومن إشارتها التحذير من تلك الفرق التي تدعو إلى الكراهية والإكراه، وتجيز القتل وتدمير الإنسان قبل تدمير الأوطان تحت شعار الدين ، وماذا جلبت تلك الفرق لأوطانها ولشعوبها سوى الدمار والخراب والتشرد ..وتحذير من تلك الأصوات الداعية إلى الإلحاد والتي ظهرت مؤخرا في العالم الإسلامي والدعوة إلى التخلي عن الإيمان والقرآن واليوم الآخر ..فكلاهما متطرف .. كانت حكمة الأستاذ نبراسا تضيئ الطريق كلما اشتد الظلام الدعائي ، وما زلت أذكرها منذ أن قال لي يابني : ( لاتؤجر عقلك ولاتبعه )