مع تسارع الحياة وانشغال الفكر والعقل بأمور كثيرة بسبب ثورة التقنية وسرعة تناقل الأخبار أصبح العقل يعمل بشكل سريع لا يتوقف بالكثير من القصص والأحداث والأخبار والصور المتتابعة فلا يرتاح الإنسان في كل أمر من أموره ولا يطمئن فتجده قلقًا من لا شيء ولاهينأ بأمر من أمور حياته فتجد صلاته سريعة لا يكاد يهدأ في أي ركن من أركانها أو يطمئن رغم أن الطمأنينة في جميع الأركان ركن من أركان الصلاة وبدونها لا تصح الصلاة والتأكيد على الطمأنينة في بعض الأركان مثل: اركع حتى تطمئن راكعًا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا وهكذا.. لأنه دون الطمأنينة لا تصح الصلاة والسبب في ذلك لأنها فقدت أهم ركن من أركانها والذي هو السبب في أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والراحة والسعادة لمن يصلي صلاة مطمئنة والدليل حديث ذلك الرجل الذي لا يتم ركوعه ولا سجوده[فقال له: ارجع فصل فإنك لم تصل]وهو حديث مشهور، وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم، ويسميه العلماء: حديث المسيء في صلاته. ولا ننسى أيضاً أن كل نوع من أنواع العبادات لا يكتمل إلا بالطمأنينة مثل الخشوع الحاصل من قراءة القرآن بسبب طمأنينة القلب التي بها يحصل الأجر لأن الهدف من قراءة القرآن هو التأمل والتدبر والخشوع ومناجاة الله -سبحانه وتعالى- وكذلك المنصت للتلاوة يحصل على الخشوع بسبب الطمأنينة الحقيقية وليست المصطنعة والدعاء والذكر وكذلك باقي العبادات تحتاج أيضًا وبقوة إلى الطمأنينة.
اَلطُّمَأْنِينَة لغة الثقة وعدم القلق. وطمأنينة النفس راحتها وسكونها وثباتها. الطمأنينة أعم من السعادة، السعادة ترتبط بالمسرات. الطمأنينة ترتبط بالقناعات والسلوكيات السعادة مؤقتة والطمأنينة دائمة، الطمأنينة هي الحياة الحقيقة السعيدة التي ينشدها كل الناس ولكن لا يهتدون إليها. السعادة غاية كل إنسان في هذه الحياة, والطمأنينة هي العامل الأهم في تحصيل تلك السعادة, والركن الأبرز من أركان الحياة الهانئة الرغيدة الطمأنينة: زيادة سكون القلب، وذلك بحصول العلم اليقين الناشئ عن الرؤية، فالخليل إبراهيم -عليه السلام- مؤمن بالله، ولا يريد أن يرى ليؤمن، بل ليزداد يقينًا ويسكن فكره وخاطره بذلك اليقين، فلا يحتاج إلى معاودة الاستدلال ودفع اَلشُّبَه عن القلب. والطمأنينة أقوى من الأمن، يتضح ذلك في وصف القرية بأنها {كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّة}.
ويعد الشعور بالطمأنينة النفسية أحد مظاهر الصحة النفسية الإيجابية وأول مؤشراتها، فلقد تحدث الكثير من العلماء والمفكرين عن أبرز المؤشرات الإيجابية للصحة النفسية والتي منها شعور الفرد بالأمن النفسي والنجاح في إقامة علاقات مع الآخرين وتحقيق التوافق النفسي والبعد عن التصلب والانفتاح على الآخرين. فقد ذكر بلوبي أن الصحة النفسية الإيجابية هي الأساس في بناء الطمأنينة النفسية التي هي منطلق الانفتاح على الدنيا والناس والثقة بالذات بعيدًاعن الانعزالية والوحدة. إن الإنسان يشعر بالأمل والطمأنينة النفسية إذا أمن الحصول على ما يشبع حاجاته الضرورية لتحقيق النمو النفسي السوي وبالتالي التمتع بالصحة النفسية الإيجابية في جميع مراحل حياته.
الطمأنينة هي حالة من الهدوء، والسلام، وراحة البال، والراحة النفسية. وهي نعمة عظيمة من نعم الله علينا ولا تسكن كل قلب بل القلب المرتبط بالله -سبحانه وتعالى- المتوكل عليه الذي يستشعر كل نعمة من نعم الله عليه فالطمأنينة أينما حلت أثمرت وأينعت فالطمأنينة في الأسرة من متاع الحياة الدنيا يحصل بها الاستقرار والسلام والرحمة والمودة وهي لغة خفية للراحة والسعادة التي يبحث عنها الكثير ويهربون في بحثهم بعيداً عن قلوبهم ويحلقون بعيدًا عن واقعهم ولا يعلمون أن السعادة الحقيقية هي بالقرب من الله سبحانه واستشعار عظمته وهناك أمور أخرى تساعد على الطمأنينة وهي:
التوقف عن التفكير بالأشياء: حيث إنّ الشعور بالقلق والتوتر لأيّ سببٍ كان لا يُغير شيئاً، ولذلك يجب على الإنسان أن يتخطى جميع الأمور التي تعمل على توتره. وكذلك التنفس حيث يمكن للشخص عند مواجهة موقفٍ يجعله يشعر بالضغط والقلق، أن يتوقف عن ما يفعله لمدّة دقيقة، ثمّ يتّبع الخطوات الآتية:
أخذ خمسة أنفاسٍ عميقةٍ للداخل والخارج.
التخيل أنّ الجسم يُخرج الضغط مع كلّ عملية زفير.
تكرار هذه الخطوات كلّ بضع ساعاتٍ في العمل، أو المنزل إذا كان الشخص بحاجةٍ لذلك.
وكذلك التوقف عن السعي للكمال فسعي الشخص لأن يكون كاملاً في الشعور بالتوتر؛ وذلك لأنّه من الصعب وصول أيّ شخصٍ إلى الكمال
وأخيرًا..
الطمأنينة عندما تسكن القلب وتشعر بها تتغير حياتك وتسعد في دنياك وآخرتك وتنفرد بالراحة والسعادة وتطرد القلق والتوتر فلا تجتمع الطمأنينة والمعاصي معًا.
بقلم
الكاتب الأستاذ/أنس محمد الجعوان
مستشار تدريبي