لقد فات علينا عرض قبل شهرين ، ولا نعلم من الذي انتهز الفرصة وربح تجارة لن تبور ، ومن الذي تشاغل عنه وخسر وهو مغرور؟
غدًا إن شاء الله سيأتي عرض آخر والكمية محدودة ، عرض مغري لن يتكرر إلا في العام مرة واحدة ، عرض لن تستطيع أي شركة أو أي مؤسسة على وجه الأرض أن تأتي بمثله ، عرض لا يضاهى ، عرض نقاطه مضاعفٌ أضعافًا كثيرة .
إذا أمد الله في أعمارنا ، يجدر بنا أن نستغل تلك الفرصة ؛ لأنها فرصة لن تتعوض ؛ فالعمر ليس مضمونًا ؛ حتى تستطيع التعويض لما فات !
فرصة لن نندم إذا اغتنمناها ، فهي لن تتعبنا أو تضيِّع من وقتنا الكثير ، ولن نخسر شيئًا ونحن ذاهبون ؛ لأن وسيلة النقل والوقود مجانية ، لا رسوم ولا قيمة مضافة .
التجارة مع الله الأضمن ربحًا ، لا قلق ولا تفكير ، ولا ضياع وقت فيما لا يفيد ، لا خوف عليها من السرقة أو السطو أو التحايل ، فهي في الحفظ والصون والأمان .
من فضل الله علينا أنه يمنحنا العطاء والفرص تلو الفرص ؛ ليضاعف لنا الأجر والثواب ؛ رحمة ورأفة بعباده المؤمنين الصادقين .
عشرةُ أيامٍ مباركاتٍ مُفَضَّلاتٍ على جميع أيام السنة ، عشرةُ أيامٍ العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله في غيرها من أيام السنة ، عشرةُ أيامٍ قد أقسم الله بها ، وما يقسم به عز وجل إلا لعظمته ومكانته ، قالَ اللهُ تعَالَى : (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) .
(وليال عشر) قيل المراد بها عشر ذي الحجة ، وقد قال بذلك ابن عباس ، وابن الزبير ، ومجاهد ، وغيرهم .
وأطلق على الأيام ليالٍ ، لأن لغتنا العربية ثرية بمعانيها ومقاصدها ، فقد تطلق الليالي ويراد بها الأيام ، وقد يطلق بالأيام ويراد بها الليالي .
وعشرُ ذي الحجة هي العشر الأولى منه ، قالَ اللهُ تَعَالَى : (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ(٢٨) سورة الحج .
فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال : (الأيام المعلومات أيام العشر ، يعني : العشر الأُوَل من ذي الحجة) . رواه البخاري وصححه البيهقي والنووي وابن الملقن وابن حجر .
* ولتكبير عيد الأضحى المبارك نوعان :
١- تكبير مطلق .
٢- تكبير مقيد .
١- المطلق وهو : التكبير الذي يسن في كل وقت ، ويبدأ من غروب شمس ليلة أول ذي الحجة ، إلى غروب شمس الثالث عشر من ذي الحجة ، وهو قول الحنابلة وابن باز وابن عثيمين .
٢- المقيد وهو : التكبير المحصور بوقت محدد ، وهو ما يكون بعد الصلوات المفروضة ، ويبدأ من صلاة فجر يوم عرفة ، إلى عصر اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ، وهو قول الحنابلة والشافعية ومحمد بن الحسن الحنفي وابن المنذر والنووي وابن تيمية وابن حجر وابن باز وابن عثيمين .
ودليلهم على ذلك من الأثر ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (أنه كان يكبر دبر صلاة الغداة من يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشربق) . رواه ابن المنذر والبيهقي .
* صيغة التكبير لعيد الأضحى :
لا توجد أذكار أو صيغ معروفة ورد ذكرها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والأمر فيه سعة ، وهو مذهب المالكية والحنابلة وقول ابن تيمية والصنعاني والشوكاني وابن باز وابن عثيمين .
ودليلهم قوله تعالى : (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهٍ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ) ، وقوله تعالى : (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ) .
ففي الآيتان إطلاق الذكر وليس فيه تقيد بصيغة معينة .
وأفضل صيغ التكبير هو قول :
الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد .
وقد روي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ، أنه كان يكبر أيام التشريق ويقول : (الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد) . رواه ابن أبي شيبة وصحح إسناده الألباني
وإن زاد المسلم بقوله : ( الله أكبر كبيرًا ، والحمدلله كثيرًا ، وسبحان الله بكرة وأصيلًا ) فهو حسن .
* حكم الحلق وقص الأظافر لمن أراد أن يضحي :
عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا رأيتم هلال ذي الحجة ، وأراد أحدكم أن يضحي ، فليمسك عن شعره وأظفاره ) . رواه مسلم في صحيحه
وفي حكم الحلق أو قص الشعر والأظافر رأيان :
١- ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب الإمساك عن قص الشعر أو الأظافر لمن أراد أن يضحي .
- وذهب آخرون ومنهم ابن باز وابن عثيمين إلى أنه لا يجوز للمضحي أن يقص من أظافره ولا من شعر رأسه أو بدنه ، وذلك من ليلة اليوم الأول من ذي الحجة حتى يذبح أضحيته .
* والأحوط لمن أراد أن يضحي ألا يأخذ من شعره أو أظافره شيئُا ؛ خروجًا من الخلاف .
* حكم الأضحية :
الراجح من أقوال أهل العلم أنها سنة مؤكدة على القادر ، ولا يأثم تاركها .
ومن لم يضحِّ وهو قادر فقد فوَّت على نفسه الأجر والثواب العظيم .
فالأضحية من أفضل القربات وأعظم العبادات وأجلِّ الطاعات ، قال الله تعالى : (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ(٣٢) . سورة الحج
ويبدأ وقت ذبح الأضحية بعد صلاة العيد ، أو بعد ارتفاع الشمس قيد رمح ، وقيد رمح أي : بمقدار طول رمح ، فإذا طلعت الشمس فانظر اليها ، فاذا ارتفعت قدر رمح ، والرمح طوله متر تقريبًا .
وينتهي وقتها بغروب شمس رابع العيد .
* كيفية صلاة عيد الأضحى :
يختلف المذهب المالكي عن المذهب الحنبلي في كيفية أداء صلاة العيد في بعض التفصيلات .
فعند المالكية عدد التكبيرات في الركعة الأولى سبعٌ مع تكبيرة الإحرام ، أما الركعة الثانية فستّ تكبيراتٍ مع تكبيرة القيام ، وكذلك عدد التكبيرات عند الحنابلة ، وتكون قبل القراءة مع جواز التأخير ، ويكون مقدار السكوت بين التكبيرات بسماع سكوت تكبير المصلون .
ويرى المالكية كراهة رفع اليدين عند التكبير باستثناء تكبيرة الإحرام .
وإن نَسِي المُصلّي إحدى التكبيرات قبل الركوع ، فإنه يأتي بها ، ويُعيد القراءة ، وإذا تذكّر التكبيرات بعد الركوع ، فيستكمل الصلاة ، وفي كلا الحالتين يسجد للسهو .
ويرى المذهب الحنبلي رفع اليدين عند كل تكبيرة ، وترك التكبيرات عندهم لا يُبطِل الصلاة .
وصفتها أن يُكبّر تكبيرة الإحرام رافعًا يديه ، ثم يرفع يديه في كل مرة ، ويسكت بين كلٍّ منها بما يُقدَّر بثلاث تسبيحاتٍ ، وبعد أن ينتهي من التكبيرة السابعة يستعيذ بالله ويُبسمل سرًّا ، ثم يقرأ الفاتحة ، وسورة أخرى جهرًا ، ويُستحب أن تكون سورة الأعلى ، ويلي ذلك الركوع والسجود .
أمّا الركعة الثانية فتبدأ بالفاتحة ، وسورة أخرى جهرًا ، ويُستحب أن تكون سورة الغاشية ، ويلي ذلك الركوع والسجود والجلوس للتشهد الأخير ومن ثم التسليم .
* فضل عشر ذي الحجة :
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر ، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) . رواه أحمد في مسنده
وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (ما العمل في أيام أفضل منها في هذه ؟ قالوا : ولا الجهاد ؟ قال : ولا الجهاد ، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء) . رواه البخاري في صحيحه
وهذا يدل أن عشر ذي الحجة أفضل أيام الدنيا ، وأن الأعمال الصالحة فيها مفضلة ومحبوبة إلى الله على غيرها من الأيام .
فيقتضي علينا جميعًا أن ننتهز تلك الفرصة التي تزيد وتضاعف حسناتنا ، وتقربنا من خالقنا ورازقنا ونافعنا ، فنعمل ما نستطيع من ذكر وصلاة ودعاء ، وصيام وصدقة وقراءة للقرآن ، وصلة للأرحام وزيارة للمرضى ، وعدم إيذاء الجيران أو غيرهم ، وغض البصر عن محارم الله ، وسلامة الصدر ، وترك الغيبة والحقد والحسد والبغضاء ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وغيرها من الأعمال الصالحة .
بقلم أ. مهدي جدُّه حكمي
* المراجع :
- موقع الدرر السنية للمشرف علوي عبدالقادر السقاف .
- الموسوعة الفقهية الكويتية لمجموعة من المؤلفين .
- موسوعة الفقه الإسلامي لمحمد إبراهيم التويجري .
- الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة لمجموعة من المؤلفين .