يوم عرفة - حجة الوداع
في يوم الجمعة التاسع من ذي الحجة في العام العاشر من الهجرة النبوية ، انطلق الرسول صلى الله عليه وسلم بعد شروق الفجر من منى متجهًا إلى عرفة ، وكان معه صحابته الكرام رضوان الله عليهم ، فكان منهم الملبي ، ومنهم المهلل ومنهم المكبر .
فعن أنسِ بن مالكٍ رضيَ اللهُ عنهُ قال : (كانَ يُهِلُّ منَّا المُهِلُّ فلا يُنْكِرُ عليهِ ، ويُكَبِّرُ منَّا المُكَبِّرُ ، فلا يُنْكِرْ عليهِ) . حديث صحيح رواه البخاري
فلما وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عرفات نزل بنمرة ، وضربت له القبة ، وبعد زوال الشمس حرك ناقته القصواء وأتى وادي عرنة ، ثم خطب بالحجيج خطبته المشهورة التي عرفت بخطبة حجة الوداع .
وبعد الفراغ من خطبته صلى الله عليه وسلم أمر بلالًا فأذن ، ثم أمره فأقام الصلاة ، فصلى الظهر والعصر جمع تقديم ؛ وذلك تفرغًا للدعاء في هذا اليوم المبارك .
وبعد أن صلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالحجيج ، ركب ناقته حتى أتى الموقف ، فجعل بطن ناقته إلى الصخرات ، وجعل حبل المشاة بين يديه ، واستقبل القبلة ، وظلَّ واقفًا يدعو ويتضرع إلى الله حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة .
وكانت حجته صلى الله عليه وسلم هي حجة الوداع ، حيث وضح للمسلمين كل صغيرة وكبيرة ، ولم يطول الرسول صلى الله عليه وسلم بعدها ، حتى انتقل إلى ربه بعد ثلاثة أشهر .
* وليوم عرفة مكانة ومنزلة عظيمة عند الله ومن فضائله :
- أنه من أفضل أيام العام ؛ لأن الله أكمل فيه دينه وأتم علينا نعمته ، قال الله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (٣) سورة المائدة
قال الإمام القرطبي : نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة في السنة العاشرة للهجرة ، بعد صلاة العصر من يوم الجمعة .
- أن الله سبحانه وتعالى يباهي ملائكته بالحجيج في هذا اليوم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنها قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ اللهَ يُباهي بأهلِ عرفاتٍ أهلَ السَّماءِ ، فيقولُ لهم : انظروا إلى عبادي جاءوني شُعثًا غُبرًا ) . حديث صحيح رواه أحمد وصححه الألباني
- أنه ركن أساسي للحج فمن ترك الوقوف بعرفة فلا حج له ، فعن عبدالرحمن بن يعمر الديلي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الحجُّ عرفاتٌ ، الحجُّ عرفاتٌ ، الحجُّ عرفاتٌ . أيامُ مِنى ثلاثٌ فمنْ تعجّلَ في يومينِ فلا إِثْمَ عليهِ ومن تأخّرَ فلا إثْمَ عليهِ ، ومن أدركَ عرفةَ قبلَ أن يَطلعَ الفجرُ فقد أدركَ الحجَّ ) . حسن صحيح ، رواه الترمذي وابن حبان والنسائي وابن ماجه
- أن صيام يوم عرفة لغير الحاج له فضل عظيم ، فهو كفارة لذنوب عام سابق وعام قادم .
فعن أبي قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه قال : قال رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ : ( ثَلَاثٌ مِن كُلِّ شَهْرٍ ، وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ ، فَهذا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ ، صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ ، وَصِيَامُ يَومِ عَاشُورَاءَ ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ ) . حديث صحيح رواه مسلم
- أنه يكثر فيه العتق من النيران ، فعن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمِ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ ؟ ) . حديث صحيح رواه مسلم
- أنه يوم عيد وفرحة وبهجة وروحانية لأهل الموقف .
فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنَّ يومَ عرفةَ ويومَ النَّحرِ وأيَّامَ التَّشريقِ عيدُنا أَهْلَ الإسلامِ ، وَهيَ أيَّامُ أَكْلٍ وشربٍ ) . حديث صحيح رواه النسائي وصححه الألباني
* المرجع :
- الموسوعة الفقهية - الدرر السنية لمجموعة من الباحثين تحت إشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف .
بقلم
أ. مهدي جدُّه حكمي