حَظِيتُ بزيارة كريمة، مع نخبة مباركة، لمتحف جبل طلان، بمحافظة الداير بني مالك جازان، وكان في استقبالنا صاحب المتحف، جُبْران العَليلي المالكي، الذي غمرنا بكرمه، واتحفنا بجولة على متحفه، الذي يزخر بمقتنيات تراثية، تصور حياة الإنسان في العصور الخالية، وقد حوى المتحف على أكثر من ثمانية آلاف قطعة، مرتبة بشكل أنيق، ومعروضة بعرض بهيج، يسرُّ الناظرين، ويخلب الزائرين، وكل مجموعة متناسقة في مكان لها، أعِد من أجلها، حتى كأنك تعيش الماضي بزمانه ومكانه، ورائحة التراث تعبَق في النواحي، تحاكي رائحة البُن الخولاني، ومُضيفُنا من شرحه لا يَكلّ، وحديثه وعرضه لا يُملّ.
ويبقى متحف طلان، شاهدا على عبقرية الإنسان، الذي استطاع أن يُسخر كل شيء من حوله لخدمة الإنسان.
والأجمل من متحف طلان، هو ذلك الفنان صاحب المتحف جُبْران، الذي يستقبلك استقبالا يفوح بالكادي والريحان، ويأخذك في رحلة تعود للوراء والزمان،
ويطوف بك في أرجاء المتحف البهية، ويشرح كل قطعة أثرية، بحب وشغف وأريحية، وله مع كل تُحفة قصة وحكاية، فقد أفنى شبابه في جمهعا، وأنفق ماله في شرائها، ليقدم للأحفاد، الماضي الجميل للأجداد، ويثبت بالعَيَان للأحفاد، أن الإنسان ابنُ بيئتِه، يعشقها وتعشقه، يخدمها وتخدمه، في تناغُمٍ عجيب، وتَساوُقٍ جميل، يستفيد منها وتستفيد منه،
فمنها طعامُه وغذاؤه، ويصنع فراشَه ووطاءًه،ومنها يخْصِف نعلَه، وينْسج لِبْسه وغطاءَ رأسه، ويبني بيته،ناهيك عن إبداعه في إعداد سلاحه، الذي أعده لأعدائه، بل حتى ما يلهو به ويلعب، من أنواع اللعب.
وكلُّ ذلك مع حِفْظِه لبيئته، وحِرْصه على مُحيطه، فلا يأخذ من الشجر إلا ما يَبِس وانكسر، ولا يَصيدُ للترف والهَدَر، ويأخذ بقدر الحاجة، من غير تَعَدٍّ أو زيادة، ولا يرعى رعيا جائرا، ولا يعيث في الأرض فسادا، وليس عنده شيءٌ ليس فيه فائدة، حتى جلود المَيْتات، يأخذها ويَدْبَغُها، فيصنع منها فراشا وَثيرا، وغطاء دَثيرا، ولباسا أثيرا، وأوعية وسقاءاً.
ذلك هو الإنسان، في ذلك الزمان، لم يحتج إلى استيراد، فكل شيء يصنعه بامتياز.
شكرا لك أيها الأخ جبران الوَفِيّ، على هذا المتحف الثري، الذي هو جدير بالزيارة، ففيه توجد الإثارة، مع القطع الجميلة النادرة، وكلُّ ذلك بالمجّان، فله كل شكرٍ وعرفان.
بقلم
أ. العابد أحمد سبعي.
٢٩ ذو الحجة ١٤٤٢ للهجرة.