مع بزوغ شمس العام الجديد،تلوح طلائع الفلاح،في مرابع التسامح،والاعتدال،وتشتد الحاجةلهذا
المخلوق الشفيف،والذات العفيف،مصدره،من س،م،ح،وهو أصل يدل على سلاسة وسهولة. ويُقال: تسامح في الأمر: تساهل فيه، والسَماحَةُ: الجود.
وهوعند أهل التخصص
: "تعايش المختلفين بسلام ويتوافر بينهم حد أدنى من التكافؤ والمساواة وقبول الآخر"لأنه في الغالب؛"موقف إيجابي متفهم من العقائد والأفكار، يسمح بتعايش الرؤى والاتجاهـات المختلفة بعيداً عن الاحتراب
ولقد نشأ الناس عبر التاريخ على هذا المنهج المتوازن مع الآخر، والذي يحمل معالم التسامح ، والاعتراف بحقه في ممارسة عقائده وشرائعه وإن كانت باطلة، والتعامل معه، وإقامة شراكة حضارية معه تقوم على الحوار البناء الهادف،والتنمية
العفيفة .
وقد أشارت وثيقة المدينة في غير ما نص إلى ضرورةمنهج التسامح في تحقيق الحياةالكريمةللفرد والمجتمع، فقد جاء فيها:
«وإذا دعوا إلى الصلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه»،
«وإن يهود الأوس، مواليهم وأنفسهم، على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة»
هذا ما جاءبه الإسلام عظيم وهو يؤصل لمبدأ التسامح بين أبناء المجتمع الواحد فاحترز عن الصدام والعداوة بين شركاء الوطن، وحرص على حفظ الحقوق وصيانة الحُرَم، فأمر المؤمنين بالتزام الحُسن في كل ما يقولون ليسد بذلك أبواب الفتنة على الشيطان الذي يتربص لإشعال العداوة بين بني الإنسان، ولم يفترض الإسلام مثالية المجتمع، بل انطلق من حقيقة اختلاف الطباع وتباين الآراء الإنسانية فوجه المسلمين إلى التحلي بالصبر في مواجهة ما قد يجدونه من الجفاء ممن يعاملونهم بالذوق الرفيع، وضرورة التزام الحسنى في ذلك، يقول جل وعز: {وقولوا للناس حسنا}، كما أمر الإسلام بالعفو عمن وقعت منه الهفوة أو الزلة،
ومن التجارب الناصعة في تاريخ الإسلام التي تعايش فيها المسلمون مع المخالفين لهم في العقيدة بتسامح تام، نموذج نصارى نجران الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ظهور أمره واختاروا البقاء على دينهم، فكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وثيقة تاريخية تدل على السماحة وحسن الجوار، جاء فيها: «ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي، على أنفسهم وملتهم وأرضيهم وأموالهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبيعهم، وأن لا يغيروا مما كانوا عليه، ولا يغير حق من حقوقهم ولا ملتهم، ولا يغيروا أسقف من اسقفيته ولا راهب من رهبانيته،...، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، وليس عليهم دنية ولا دم جاهلية ولا يحشرون ولا يعشرون ولا يطأ أرضهم جيش»
كما شهد المجتمع المسلم نوعا آخر من التسامح، وهو قبول التعددية المذهبية في إطار الدين الواحد، حيث وُجد على مر التاريخ مذاهب فقهية كالحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، ومذاهب لغوية كالبصريين والكوفيين، والعنصر المشترك بين أصحاب المذاهب جميعها كان هو الاتفاق على القطعي والاختلاف في الظني الذي يقبل التباين في وجهات النظر، وكان التسامح والتعايش بين أصحاب المذاهب هو السمة الظاهرة الجلية فلم يكن الاختلاف في الظني مبررًا عندهم للإنكار، وإن كان هناك أيضًا حالات ثقافية شائكة في التاريخ، فما هي إلا نتاج الطائفية، والصراعات المصالحية أحيانًا...
بقي أن أقول :
التسامح،والاعتدال ياسادة ...
سيد فضائل الحياة ...
فلتطب نفوسنا به، ولنتعبد ربنا جل وعز بحسنه،ولنرحم الناس بتعاطيه،والتساوق مع دواعيه ...ليتكون مجتع متوازن ،آمن ...
سامحوني فقد أطلت عليكم ،
ولكم مني التحية ،ومن الله السلام ،سامحكم الله ...
د.محمد بن سرَّار اليامي