مما لا شك فيه أن للإعلام مسؤولية عظيمة في المجتمعات السياسية والإنسانية على حد سواء، تقع بكاملها على عاتق الإعلاميين، اذ يُمثلون الجانب المُحايد الشفاف الذي ينقل الحقائق بمهنية عالية، مُتلمسًا في ذلك بلا شك الجوانب الإيجابية التي ترفع من كفاءة الحياة وتُدير الرأي العام بذلك الإتجاه الإيجابي.
قبل هجمة الزملاء الإعلاميين عليَّ أود التوضيح أنني أحدهم وأعتز بأنني رئيس تحرير صحيفة عين الوطن، ولهذا فحديثي عن زملائي هو حديث موجه إليّ بنفس الدرجة، ولعلهم يتقبلون حديثي الحميم إليهم بروح رياضية ويتمعَّنون فيه قبل أخذ موقف الدفاع أو التبرير الذي لا أراه مقبولاً مهما كانت الحجج والمبررات.
الإعلاميون هم قادة الرأي العام في المجتمعات، وهم رموز للفكر والثقافة بل هم قدوة للجيل القادم ممن يرغب في السير على خطاهم، وحديثي اللطيف هذا موجه لثلاث فئات مهمة من الإعلاميين، يختلفون في خبراتهم ولكنهم يتشابهون في تصرفاتهم، وضعوا انفسهم في ابراج رملية تفصلهم فصلاً كاملاً عن المجتمعات، واقول هنا رملية وليست عاجية لأنها لا تلبث ان تنهار عند اول ريح يمر بها فتُعري أصحابها بشكل غير لائق .
اما الفئات الثلاث التي اوجه لها حديثي الحميم فهي :
فئة مُخضرمة؛ لها في الإعلام صولات وجولات، وأرصدة لا يُستهان بها من المواد الإعلامية البارزة والتي يُشار إليها بالبنان، وقد صقلتهم الحياة العملية حتى جعلت منهم مُعلمين وخبراء في هذا المجال، الا انهم ومع الاسف الشديد مُعلمين صامتين، وربما مُتذمرين احياناً حين يُطلب منهم رأي او توجيه من الإعلاميين المُبتدئين وراغبي التعلم، هُنا وضع الإعلامي نفسه في برجه الرملي دون ان يترك اثرًا او يُساهم في بناء الإنسان رغم توفر كُل الأدوات في يده.
فئة فعّاله؛ وهي فئة نشيطة جدً في مجال الظهور ومحاولة البروز ، وامتطت صهوة جواد الإعلام مؤخراً حينما أصبح الإعلام للأسف الشديد منبر من لا منبر له وجواد من لا جواد له ، والإشكال في هذه الفئة هي انها نشيطة بشكل مُفرط ، للحد الذي جعله يهرف بما لايعرف، ويفتي في كُل المسائل وكأنه خبير في كُل المجالات، وإذا اراد التعريف بنفسه يكتب ما لا يقل عن عشرات الكلمات الضخمة من فئة الإعلامي الكبير القدير الخبير المستشار .. إلى مالا نهاية من الأوصاف الألمعية لهذا الإعلامي الألمعي، وهذه ليست مُشكلة اذا كان المرء فعلاً بهذه المكانة، وأن كنتُ لا أرى مناسبة أن يتحدث المرء عن نفسه ، بل يدع الإنجازات والأفعال هي من تتحدث عنه ، ولكنها مشكلة عظيمة جدًا جدًا ومن المضحك المبكي فعلاً حين تكتب كل هذه الصفات عن نفسك ثم لا تستطيع ان تُعد خبراً أو تقريراً صحفياً واحداً بشكل صحفي صحيح، ونضطر بعد ان تخرج لنا دُرتك الإعلامية ان نُعدل عليها مئات المرات لتكون صالحة للنشر، ليس العيب في ان نُخطئ، انما العيب ان ندس رؤوسنا في ابراجنا الرملية مُعتبرين ذواتنا فوق كُل توجيه أو أي تعليم.
اما الفئة الثالثة فهي فئة مُبتدئة، لها نزر بسيط في المجال الإعلامي، ثم سرعان ما صمتت تلك الفئة تُشاهد اسماءهم في كُل المجموعات والمحافل ولكنك لا تجد لهم اي انتاج او محاولة للتعلم،
ليس المهم أن تلتصق في الإعلام فقط لمجرد الإلتصاق، المهم أن تقدم ما يتناسب مع مكانتك ويجعل القارئ يحترمك بأن قدمت له ما يفيده أو يمتعه، وأن تتحدث بلسان المواطن عن مشاكله وهمومه، وأن تقدم للمسؤول ما يساعده على تقديم خدمات أفضل للوطن والمواطنين ، فهذه هي الرسالة الأهم والأسمى للإعلامي.
وخلاصة القول ؛ إن أسهل شيء هو النقد، وإن أقرب شيء هو النقص، والمعرفة تتطلب منا جهداً إضافيا، يجب أن نبذله، ففيه احترام للمنبر الذي نتحدث منه، والجهة التي ننتمي لها، هناك مسؤوليات جسيمة تقع على الإعلاميين فيما يتعلق بأنفسهم وبمجتمعهم، ورؤيتنا تتطلب إسهام كل مواطن في مجتمعه، لاسيما الإعلامي.
بقلم
د.طلق المسعودي