مروحةُ السقفِ تدورُ بسرعةٍ متوسطة ، يتطايرُ الغبارُ الملتصقُ بها ومعه بعضُ البعوض ، اتكأَ على الوسادةِ بزاويةٍ تناسبُ انحناءَةَ ظهرهِ المعتادة، ظلَّ يفكرُ في حشراتٍ أخرى أدقَّ في الحجمِ يشعرُ بلدغِها لساقيْه المكشوفتين ، اللّحَافُ قصيرٌ يتخذه ليحميَ نصفَه الأعلى ويسحبه نحوَ وجهِه عندَ الحاجة، قالَ في نفسه: يبدو أنَّ طعمَ دمي الحلوَ أغرى هذه الحشراتِ لتمدَّ أنابيبَها الصغيرةَ لسلبِ بعضِ دمي، ألاَ يكفي ما يفعله البعوضُ الذي يسرقني ثم يطلقُ زغردةَ الفرحِ بعدما يشبع! يبحثُ عن حلٍّ للمروحةِ القديمةِ التي اتسختْ من بقايا الرطوبةِ والزيتِ المتطايرِ من المطبخِ القريب، تمنّى لو كان الكهربائيُ قريبًا ليُزيلَها من مكانها، يرسل له فيحضرُ على وجه السرعة وكأنَّه قد سمعَ صوتَ الاستغاثَة ، ينزعُ المروحةَ من السقفِ ومعها الحشراتُ الصغيرةُ فيتفرَّقُ البعوضُ المتجمعُ تحتَ أذرعتها الثلاث ومعه الحشراتُ التي تكاثرتْ حولَ العاملِ وعلى يديْه ، يقول له : يبدو أنَّ دمَكَ مالحٌ فلا تمتصه الحشرات ، يخرجُ بالمروحةِ من الغرفةِ ويقذفُ بها من أعلى نحوَ مكانٍ مكشوف، تُحدِثُ صوتًا؛ لكنَّ عاشقاتِ الدمِ تنفرُ نحوَ الجدران، يجلبُ مروحةً جديدة، ينظفها العاملُ جيدًا ويعقِّمُها ويرشُّها بمبيدٍ كي يمنعَ وصولَ الناموس، أشعلَ المفتاحَ ليجرِّبَها، وضعَ علامةَ التشغيلِ على سرعةٍ أعلى بكثير كي لايسمحَ الدورانُ بالتجمُّعِ الذي يخيفه ، فتحَ الشُّباكَ المجاورَ لسريرِه ليرى حالةَ الجو، عادَ البعوضُ المختبئُ خلفَ النافذةِ من جديدٍ بأصواتَ مرعبةٍ باتجاهِ المروحةِ الجديدة، أطفأَ الأنوارَ ومعها مفتاحُ التشغيل، رشَّ على قدميْه بالمبيدِ ليحمي دمَه من اللّدْغ، نامَ دونَ ضجيجِ زُوَّارِ الليل، شمَّ رائحةً غريبةً حولَ ساقيْه مع قيامه في الصباح، وجدَ الأجنحةَ الصغيرةَ وأشلاءَ مصاصاتِ الدم متناثرةً وقد تغيَّرَ لونُ جلدِ ساقيْه من المبيد ، تمنَّى لو تركهما للبعوض.
بقلم
محمد الرياني