في آخر عهد الدولة السعودية الثانية حصل التنازع بسبب الحكم بين أبناء الإمام فيصل بن تركي، وأثّر هذا على هيبة الدولة وقوتها، فاستغل آل الرشيد حكام حائل المُعينين من قبل الإمام فيصل بن تركي؛ استغلوا هذ الصراع ، واستولوا على الرياض عاصمة آل سعود، وبعدها خرج الإمام عبد الرحمن بن فيصل آخر أئمة الدولة السعودية الثالثة إلى الكويت إلا إن الابن عبد العزيز لم تسْكن نفسه ويهدأ باله، بل أخذ يفكر ويخطط لاستعادة ملك آبائه آل سعود، فقرر العزم على ذلك ومواجهة الخطر ، وكان يدفعه لذلك المجد التليد الذي خلّده أجداده؛ الذين حققوا أول وأعظم وِحدة عربية إسلامية امتدت مساحتها على كامل الجزيرة العربية، وامتدت شمالا إلى نهر الفرات وبادية الشام؛ لذا قرر المواجهة واستعادة ذلك المجد، فاستأذن والده الإمام عبد الرحمن، وغادر الكويت، وليس معه إلا عدد يسير من الرجال اختارهم بعناية، ووضع خطة عسكرية نابعة من خبرته وحنكته، فاتجه جنوبا نحو القبائل المُوالية لآل سعود، وجمع منهم عددا من المناصرين، ولما علمت الدولة العثمانية بخبره أصدرت أوامرها إلى وُلاتها على الأحساء والقطيف والبحرين، بمضايقة رجال عبد العزيز، ومنعهم من دخول مناطقهم من أجل التزود بالمُؤن، فخاف بعض ممن انضموا إليه وتفرقوا عنه، ولم يبقَ غير الذين خرجوا معه من الكويت، فلم يُثْنِه ذلك ولم يفُتَّ في عضده بل زاده عزما وقوة، فقرر التوجه نحو الرياض، وكان مُقيما في يبرين جنوب الرياض، فتحرك من يبرين في اليوم الحادي والعشرين من رمضان 1319ه، وفي الرابع من شوال وصل عبدالعزيز إلى ضواحي الرياض، فقسم من معه من الرجال إلى ثلاثة أقسام؛ قسم يظلون في مكانهم لا يبرحونه حتى الصباح، وقسم يرابطون في إحدى المزارع القريبة من الرياض ينتظرون أوامره، والقسم الثالث وهم لا يتجاوز عددهم السبعة يتحركون صوب البلدة بقيادته، ودخل البلدة وتوجه لمنزل مُجاور لمنزل عامل ابن الرشيد ويسمى عجلان بن محمد، وبعد ذلك استدعى عبد العزيز القسم الذي تركه مرابطا بإحدى المزارع وعلى رأسهم أخوه محمد، ثم تسلقوا من البيت المجاور إلى بيت عجلان، فلم يجدوه، فأخبرتهم زوجته أنه نائم في قصر المصمك مع حاميته، وأنه يأتي إلى مسكنه بعد طلوع الشمس، فانتظروا خروج عجلان إلى أن خرج، فانقضوا عليه؛ لكنه أفلت منهم وحاول العودة لقصر المصمك، فسبقوه واستطاعوا الدخول، وقُتل عجلان وعدد من أتباعه واستسلمت الحامية، ونودي في البلدة: أن الحكم لله ثم لعبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود، وهكذا استعاد ملك آبائه، وهو دون سن الثلاثين ربما في السادسة والعشرين، وأسس الدولة السعودية الثالثة في الخامس من شوال عام 1319ه.
وبعد أن استقر الأمر للملك عبد العزيز في الرياض، شرع في ضم المناطق القريبة منها، فتوجه صوب المناطق الجنوبية؛ لبُعدها عن ابن الرشيد، فضمها لسلطته وامتد نفوذه إلى وادي الدواسر جنوبا بنهاية العام الذي استعاد فيه الرياض 1319ه، ثم اتجه للبلدان الواقعة غرب الرياض، وهي عالية نجد، ثم بدا يتحرك صوب الشمال وهي سدير والمحمل والوشم، وكانت فيها حاميات لابن رشيد، فطردها وكان ذلك عام 1321ه.
ولم تبق أمامه من الشمال إلا القصيم، وهي من معاقل ابن رشيد القوية، فدارت معارك حامية مع قوات ابن رشيد من أهمها؛ معارك البكيرية والشنانة وروضة مهنا التي قُتل فيه متعب بن رشيد، وبعد مقتله تمكن الملك عبد العزيز من إحكام السيطرة على القصيم في عام 1326ه، وبعد القصيم ضم المنطقة الشرقية دون مقاومة تذكر عام 1331ه، وأخرج الحاميات العثمانية من القطيف والهفوف، وفي عام 1338ه ضم منطقة عسير، وفي عام 1340ه أسقط إمارة آل الرشيد في حائل، ودانت جميع المناطق الشمالية، ثم والى فتوحاته، وكانت وجهته الحجاز التي كانت تحت الشريف الحسين بن علي الذي يُظهر العِداء نحو الملك عبد العزيز، ويحاول الحد من توسعاته ويطالبه بالبقاء في نجد، حتى وقعت معركة تُربة بين أنصار الملك عبد العزيز، وبين جيش الشريف بقيادة ابنه عبد الله، وكان جيش الشريف جيشا نظاميا مدربا ولديه العتاد الحربي الحديث؛ كالمدافع، وكان عبد الله بن الحسين يعتد ويفخر بجيشه وقدراته الحربية؛ لكن حصل ما يكن في الحسبان، فقد مني ذلك الجيش بالخسارة العظمى عام 1341ه، وبعدها تقهقر جيش الشريف حسين، وطاردته قوات الملك عبد العزيز حتى دخلوا الطائف، ثم دخل الملك عبدالعزيز مكة مُحرما بدون قتال، ثم قام بحصار الشريف حسين في جدة حتى تنازل لابنه عليّ، ولم يقبل الملك عبد العزيز حتى تنازل عليُّ بن الحسين ، ودخلت الحجاز تحت حكم الملك عبد العزيز عام 1344 هـ
وأما منطقة جازان فقد كانت تحت إمارة الأدارسة، وفي هذه الأثناء كان الخطر يتربص بها من الجهة الجنوبية، فطلب حاكمها السيد الحسن الإدريسي الحماية من الملك عبدالعزيز، فوافق على الحماية بموجب معاهدة مكة المبرمة بينهما عام ١٣٤٥ه، وتنصُّ هذه المعاهدة على أن الأمور الداخلية تحت تصرف السيد الحسن الإدريسي، والأمور الخارجية يتولاها الملك عبدالعزيز ومنها الحماية من أي اعتداء، واستمر ذلك إلى أن تدهورت أوضاع الإمارة الادريسية بسبب شحِّ الموارد المالية، فقرر الحسن الإدريسي بناء على مجلس شورى إمارته تسليم بلاده للملك عبدالعزيز وكان ذلك عام ١٣٤٩ه، فكانت منطقة جازان آخر العنقود، وآخر المناطق المنضوية تحت اللواء المعقود للملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وجعل الجنة مثواه.
كتبه
العابد سبعي.
بمناسبة اليوم الوطني (٩١)