اشعر بضجر مميت .. أسير عابسة وقد أمسكت حقيبتي في يدي.
آه لقد قالت لي الممرضة إن هناك مريضة في الخامسة والعشرين.. وهي تصرخ على نحو موصول
ترى لمَ تصرخ.
الفحص الإكلينيكي أثبت أنها لا تعاني من أي مرض واضح
ورغم ذلك فقد كانت تصرخ
قال لي الدكتور حاتم : اعرفي ما بها يا أمل
ترى ماهو دورك أنت أيها الأخصائي الكبير
امقته و امقت غروره
رأيتها تجلس القرفصاء على الأرض في أقصى زاوية من الغرفة
هادئة كالأموات ولم تكن تصرخ
رأسها منكس وشعرها كث من الواضح أنه لم يُعتنى به منذ زمن بعيد
طرقت الباب
رفعت رأسها
نظراتها شاردة إنها لا تراني
رغم أنها تنظر إلى عيني
اقتربت منها
لمست كتفها صرخت بوحشية
جلست على الأرض بجوارها
اسمها مها
كررت إسمها كثيراً ولكنها لم تكن تسمعني
صفقت بيدي في قوة ولازالت لا تراني
أمرت بإعطائها محلول سيرترالين كي تهدأ
وذهبت غاضبة إلى الدكتور حاتم
وقلت له :
لماذا لم أعط صورة واضحة عن المريضة
هنا أخرج ملف من درج مكتبه
قرأت الملف
وهالني أن أعرف
أن مها بنت جميلة أحبت شاب وتمنت أن تتزوجه
غرر بها الشاب واعتدى عليها في غفلة من أهلها
طلبت منه أن يصلح غلطته فوالدها سيقوم بذبحها
لكنه قال : كيف أتزوجك مجنونة أنتِ
قد يفعل معك آخرون ما فعلت أنا
هي لم تستطع أن تخبر أحداً
لم تستطع
أحزنها هذا الأمر وأكلت عشرين حبة بنادول
وتم نقلها إلى المستشفى
ورويداً استعادت عافيتها بعد أن صارحت الأخصائية الإجتماعية بقصتها وطلبت منها أن لا تخبر أحداً ..
خرجت من المستشفى كانت مريضة خائفة تذوي قليلاً قليلاً
لم تكن تتحدث مع أحد
توافد على منزلهم الكثير من الرجال الذين يقرأون عليها
واتفق المقرون جميعهم أنها تعاني من روح شريرة دخلتها
ولقد كان أشرسهم يقوم بخنقها فتصدر أصوات حشرجة بصوتها بعد أن يتضخم نتيجة الضغط على الشريان السباتي
والذي بالضغط عليه يصاب الشخص بالاغماء وقد يموت
ولكنه يفسر الصوت أنه صوت ذلك العفريت الذي دخلها
وأحياناً كان يضربها ضرباً مبرحاً ولم تكن تتحرك
لقد قررت أن تموت
حقيقةً بكيت
ماهذا الجهل
مها لم تعد ترغب في الحديث مع أحد ورويداً رويداً لقد مرضت نفسها وفقدت الإهتمام بكل شيء
والدها أحضرها إلينا في المستشفى كي نحتجزها
في اليوم التالي ذهبت إليها وكانت معي وجبتين لي ولها
وجدتها تجلس على الأرض
جلست بجوارها
وأخذت أتظاهر بأنني أتحدث في الهاتف
في اليوم الأول لا توجد استجابة ولكن في اليوم العاشر نظرت إلي
ورويداً رويداً تحدثت هي
قالت أنها لا ترغب في الاستمرار في الحياة
وطلبت مني أن أساعدها على أن تموت ووعدتها
ولكن أولاً نتناول الطعام أنا وهي
وبعد اسبوع كانت تتجول في المستشفى ولقد تنظفت ورتبت شكلها
ورغم عدم موافقة المستشفى على خطتي العلاجية ولكنني استمريت فيها مع التركيز على الفيتامينات والمهدئات
وذهبنا لنادي المستشفى حيث رأيتها شغوفة بالرسم
كانت حريصة على أن تظل في نادي المستشفى لساعات ترسم وترسم
بل إنها أصبحت تستكمل رسوماتها في غرفتها
وشجعناها بشراء لوحاتها
فقد أظهرت براعة وموهبة خارقة في الرسم
وفي يوم عادت مها الحقيقة
عادت لتبدي رغبتها في رؤية والديها
وفي آخر زيارة لهما صحباها إلى المنزل
ولازلت حتى الآن اتلقى منها رسالة جميلة منها بالجوال
بقلم
د / ظافرة القحطاني