في يومِ العيدِ ، خَرجَ حرفُ الباءِ مَعَ إخوانهِ وأصدقائهِ سعيدًا فَرِحًا مسرورًا ، وكانَ يلعبُ ويمرحُ ويلهو ، وفي أثناءِ لَعِبهِ نطَّ نطَّةً قويَّةً ، فسقطتْ مِنْهُ النقطةُ وهو لا يعلمُ !
ظَلَّ حرفُ الباءِ يَسْتَمْتِعُ بوقتِهِ طَوالَ اليومِ ، وقبلَ غُروبِ الشَّمسِ ، لاحظَ أنَّهُ بدونِ نقطةٍ ، فاستغربَ وتغيَّرتْ مَشاعِرُهُ مِنَ الفرحِ إلى الحُزنِ !
عادَ الجميعُ إلى دُورِهِم إلَّا حرفَ الباءِ ، فقد بقيَ يبحثُ عن نقطتِهِ المُهِمَّةِ ، التي تُمَثُّلُ هويَّتَهُ وشُهْرتَهُ .
استمرَّ حرفُ الباءِ..الحزينِ في البحثِ عن نقطتهِ حتَّى حلَّ الظَّلامُ ، ولكنْ مع الأسفِ لم يَجِدْها .
عادَ حرفُ الباءِ إلى أسرتهِ حزينًا مهمومًا ، فسألوهُ : لماذا أنتَ حزينٌ ؟
قالَ : لقد سقطتْ مني النقطةُ بينما كنتُ ألعبُ وأمرحُ .
فَضحِكوا عَليْهِ وقالُوا :
لقد أصبحتَ حرفًا قديمًا ، وستكونُ مجهولًا في هذا الزمنِ .
تحسَّرَ وتألَّم حرفُ الباءِ ، ولم ينمْ تلكَ الليلةِ ، وظلَّ يفكِّرُ ويفكِّرُ ، حتى خطرتْ على بالِهِ فِكْرةٌ رائعةٌ بعثتْ في نفسِه الأملُ والتفاؤلُ !
نامَ حرفُ الباءِ نومًا هادئًا تضْوِيهِ الأحلامُ السعيدةُ والآمالُ المُبْهِجَةُ .
استيقظَ حرفُ الباءِ مُبكرًا ، ثُمَّ ذهبَ إلى أختِه التَّاءِ وقالَ لها :
يا أختي الطيِّبةَ ، هلْ مِنَ المُمْكِنِ أنْ تتكرمي وتهديني نقطةً ؟
ضِحكتْ التَّاءُ وقالَتْ :
إنْ أهديتُكَ إحدى نقطتَيّ فسأصبحُ نونًا وهذا لا يُعقلُ .
فذهبَ إلى الثَّاءِ وقالَ لها : ما شاءَ اللهُ عليك يا أختي المباركةَ ، لديكِ ثلاثُ نقاطٍ ، هل مِنَ المُمْكنِ أنْ تتكرمي وتهديني نقطةً واحدةً ؟
ابتسمتِ الثَّاءُ ، وقالتْ لَهُ : إنْ أعطيتُكَ إحدى نقاطي فسأصبحُ تاءً ، وسنتكررُ أنا وأختي التَّاء ، وهذا لا يرضيني .
فذهبَ إلى حرفِ الجيمِ وقالَ لَهُ : يا أخي هل مِنَ الممكنِ أن تتبرعَ لي بنقطتِكِ ؟
فاندهشَ حرفُ الجيمِ ! وقال : سأصبحُ حاءً ! هذا مستحيل ، أنا آسف .
فذهبَ إلى حرفِ الخاءِ وقالَ لهُ : أخي الكريمُ ، هل من الممكنِ أن تعيرني نقطتك ؟
فقالَ له : بَخٍ بَخٍ لكَ ، تصوَّر عندما أخرجُ للعبِ معَ أصدقائي ، يقولون حَرَجَ ! بَحٍ بحٍَ لك ، أرجوك لا تُحرجني .
فذهبَ إلى حرفِ الذالِ وقال له : أخي الحبيبُ ، هل مِنَ الممكنِ أن تمنحني نقطتَكَ ؟
فقالَ له : ماذا تقولُ يا هذا ؟ إن الدَّالَ سيحتدمُ مني ، وستقعُ بيننا مشاكلُ ، أرجوك اذهبْ وابتعدْ عَنَّي .
فذهبَ إلى حرفِ الزايِ وقالَ له : أخي العزيزُ ، هل من الممكنِ أن تعطيني نقطتك ؟
فقالَ له : إن حرفَ الراءِ سيقشعرُّ ويكفهرُّ ويزمخرُّ ، فارتعب حرفُ الباءِ وهرب ؛ خوفًا من أن يشتدَّ غضبه فيهلكه .
فذهبَ إلى حرفِ الشينِ وقالَ يا أخي : ما شاءَ اللهُ ، لديك ثلاثُ نقاطٍ ، هل من الممكنِ أنْ تتصدقَ عليّ بنقطةٍ من نقاطِكَ ؟
هَأْهَأَ حرفُ الشينِ وقالَ : سأصبحُ حرفًا غريبًا لا لفظَ لهُ ولا معنى !
فذهبَ إلى حرفِ الضادِ وقالَ لهُ : أخي ، هل مِنَ الممكنِ أن تعيرني نقطتك لبعضِ الأيامِ حتَّى أجدَ نقطتي ؟
فضربَ على رأسِهِ وقالَ : أنا لن أرضَ أن أكونَ صادًا ، أنا الحرفُ الفريدُ الذي تتكنَّى وتفتخرُ اللغةُ العربيةُ بي ، وهذا شرفٌ كبيرٌ لي ، ولن أتخلَّى عن ذلك ، اذهبْ واتركني .
فذهبَ إلى حرفِ الظاءِ وقالَ لهُ : أخي ، هل من الممكنِ أن تجودَ لي بنقطتِكَ ؟
فقالَ له : وما الفائدةُ ؟ سأصبحُ طاءً يا أخي ، اذهب .
فذهبَ إلى حرفِ الغينِ وقالَ له : أخي ، هل من الممكنِ أنْ تهبني نقطتك ؟
فقالَ له : سأصبحُ عينًا ، ههههه ، غيرُ موافقٍ ، انصرف .
فذهبَ إلى حرفِ الفاءِ وقالَ له : أخي ، هل من الممكنِ أن تتفضلَ عليّ بنقطتك ؟
فَتَفَأْفَأَ وتفأفأ وقالَ له : سأصبحُ مِثلَكَ مجهولًا .
فذهبَ إلى حرفِ القافِ وقالَ له : أخي ، هل من الممكنِ أن تسلفني نقطةً من نقطتيْكَ ، وسأعيدُها لك عندما أجدُ نقطتي ؟
فقالَ له : سأصبحُ فاءً ، ابتعد عني .
فذهبَ إلى حرفِ النونِ وقالَ له : أخي هل من الممكنِ أنْ تُحسِنَ إليّ بنقطتِكَ ؟
فتنهَّدَ وقالَ له : سأصبحُ مِثلَك مجهولَ الهويَّةِ ، اتركني فنقطتي هي حياتي .
فذهبَ إلى حرفِ الياءِ وقالَ له : يا أخي العزيز ، أنت أملي الأخيرُ ، فقد تقطَّعتْ بِيَ السُّبلُ ، واستغنى عني الخلّانُ ، وطردني الأصدقاءُ والإخوانُ ، ولي طلبٌ عندك فلا تردَّني خائبًا .
فقالَ له : آمر يا أخي ؟
فقالَ له : أعرني نقطةً وسأعيدُها إليك إذا وجدتُ نقطتي .
فقالَ له حرفُ الياءِ : إذا أعرتك نقطةً ، فسينكرني الجميعُ ، وسأصبحُ حرفًا غريبًا ، أو شبيهًا لك في بدايةِ ووسطِ الكلمةِ ! أرجو أن تعذرني يا أخي .
انقطعَ أملُ حرفَ الباءِ وأصبحَ حرفًا مهملًا ، وزادَ حزنُه ، وضاقَ صدرُه ، واكتربَ وشَجَنَ وتوجَّعَ وانتحبَ وظلَّ يبكي .
وبينما كانتِ الحروفُ : الحاءُ والدالُ والرَّاءُ والسِّينُ والصَّادُ والطَّاءُ والعينُ والكافُ واللَّامُ والميمُ والهاءُ والواوُ يلعبونَ ، رؤوْا حرفَ الباءِ مهمومًا مُكْتئبًا ، فسألوه : ما بِكَ يا أخانا ؟
قالَ : سقطتْ منِّي نقطتي بالأمسِ ، ولم يقفْ معي أحدٌ لأستعيدَ هويتي .
قالوا : الحمدُللهِ أننا بلا نقاطٍ ، هيَّا فلنلعبْ ونمرح في أمانٍ واطمئنانٍ .
أشفقتْ حروفُ الهجاءِ عليه ، واجتمعوا من أجلِهِ ، وظلُّوا يبحثونَ عن حلٍّ لمشكلةِ أخيهم حرفِ الباءِ ، وانتهى الاجتماعُ بحلٍّ جميلٍ تعاونيٍّ ، وهو البحثُ عن نقطتِه الَّتي سقطتْ منه .
فجاؤوا إلى حرفِ الباءِ وقالوا له : سنساعدُك في البحثِ عن نقطتك .. دُلَّنا على المكانِ الذي كنتُ تلعبُ فيه ؟
فذهبَ بهم حرفُ الباءِ مسرعًا إلى المكانِ ، واقترحَ أخوهم الأكبرُ حرفُ الألفِ أن يتفرَّقوا في جميعِ الاتجهات ، فقالوا : رأيٌ سديدٌ .
انتشروا وظلُّوا يبحثونَ عن النقطةِ بكلِّ جِدٍّ وإخلاصٍ ، حتى وجدوا النقطةَ .
فَرِحَ حرفُ الباءِ وابتهجَ وأحسَّ بسعادةٍ غامرةٍ ، وشكرَهُم على مواساتهِ وحُسْنِ تعاونهِم ، وقالَ : توبةً توبةً ، إذا لعبتُ مستقبلًا فسوفَ انتبهُ وأحافظُ على نقطتي ، فليسَ كلُّ مرةٍ تسلمُ الجَرَّةُ .
تأليف : مهدي جدُّه حكمي