طالما ترنم كثير من المسؤولين في مجالات عدة بمفهوم الجودة وأهمية الوصول له كهدف رئيس يجب السعي إلى تحقيق من باب إتقان العمل وانجازه على الوجه الأكمل وظل هذا المفهوم رناناً يدق أنغامه في جميع أوامر وتعليمات كل رئيس تجاه مرؤوسيه ومواكبة لما تتطلبه متغيرات العصر وانسجاماً مع مفاهيمها الحديثة التي تظهر بين الحينة والأخرى لكن للأسف أن كثيراً ممن يتبنى المناداة بالجودة وتطبيق مفاهيمها لا يعدو سعيه سوى الحرص على إظهار الجودة الشكلية بعيدا عن تطبيق مضامين الجودة الفعلية والداخلية بصورة تطغى فيها ملامح الجودة الشكلية مما يجعل المنساقون في هذا الاتجاه يمارسون أشكال الجودة الصورية في عدة صور منها:
١- كثرة التنظير وإلقاء المحاضرات والتعميمات بشأن الجودة وضرورة تطبيقها والحرص على اظهار عدد كبير من الدورات وورش العمل المتعلقة بمفهوم الجودة بشكل يطغى فيه التنظير على الممارسة والابراز الاعلامي بأننا مهتمون في الجودة دون تطبيق فعلي.
٢- افتقار التطوير الفعلي الداخلي على مستوى الخطط والبرامج مما ينتج عنه غياب الاعتماد لها من سنوات دون سؤال أو رقيب على هذا الأمر وطالما سقطت الخطط والبرامج فأين الجودة الفعلية التي دُقّت لها الطبول وجُيّش لها الاعلام بأننا نعيش في عصر الجودة والسلام.
٣- الاهتمام بتقديم الاستبانات والأرقام والبيانات ووضعها أمام الأعين والحقيقة أن المؤشرات سوداء الكتابة والمضمون على الورق، بينما المؤشرات الداخلية للتطور حمراء وتنزف الدماء طالما غاب العناء في تحقيق الجودة فعليا من أجل النماء.
٤- اهمال الواقع الفعلي للجودة وتحقيق متطلباتها من خلال نقص المواد اللازمة لادارة العمل بصورة سليمة ومنظمة فالعجز في توفير الأدوات يحيل الجودة إلى الممات فكل مايطلب يتم الاعتذار عن توفيره بحجج واهية وحينها اعلم بأن الجودة لبست ثوب قشيب وقناع بطل رهيب يعلو وجه مشوه الملامح لطاعن في السن أمضى حياته يكافح.
٥- من صور الجودة الشكلية الاهتمام بالتصنيفات والمراكز والجوائز والحصول عليها كصوت مسموع فنحن الأبطال وأصحاب المقال بينما العاملين داخليا في منظومة العمل ربما مصابون بالتبلد او الاحتراق الوظيفي لانهم يعيشون الواقع ويكتوون بنيرانه ولا سماع لهم في ظل صوت التصفيق للجودة الشكلية.
وختاما نقول أن طغيان الجودة الشكلية على الجودة الفعلية هو صورة من صور الفساد المجتمعي الذي يجب محاربته بل هو كفقاعة ماء معلقة في الهواء تبدو جذابة ورقيقه تجذب الأنظار لها ولكن سرعان ما أن تتمزق عندما يمرّ بها أي ظرف طارئ ولا تستطيع الصمود والمقاومة. لذلك علينا أن نسعى في أعمالنا إلى تحقيق الجودة الفعلية لا الجودة الشكلية فعندما تُصلح الداخل يصلح لك الظاهر مصداقا لما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب).
.
بقلم:
أ. د. يحيى بن مزهر الزهراني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
كاتب بصحيفة أخبار الوطن نيوز.