هذه القصة لرجل من الجنوب حدثت في بدايات التسعينات الميلادية في مدينة الرياض قصة لجار عزيز وأبٌ لصديق كريم ، رجل من أرض هذا الوطن المعطاء قام بواجبه الأخلاقي والإنساني ومازال أبطال هذه القصة على قيد الحياة ، وإن كانت أحداثها منذ سنين مضت فإنما نستلهم ما فيها من القيم .
فالعم قاسم وهو جار قديم تقاعد من عمله ، ثم انتقل إلى بيته الجديد الذي دفع فيه شقاء عمره ثمنا لبنائه ، سكن أحد الأدوار والدور الأرضي أعده للإيجار ليعان على سداد ثمنه في ظل دخله المحدود ، لم يلبث طويلا حتى جاءه رجل بخمسة أبناء وزوجه ، يطلب داره للإيجار فوافق واستلم الرجل الدار وأسكن عائلته ، كان الأب سعوديا والأم من جنسية عربية ، لم يمض الرجل في البيت سوى أشهر معدودة ثم أختفى .
وطال أمد البحث عنه وبفقده فقدت العائلة التي تسكن بيت العم قاسم عائلها حين لم يجدوا له أثرا ، بقيت العائلة المكونة من6 أشخاص في دار العم قاسم أبو سليمان بدون مصاريف ودون عائل ، كان الموقف صعبا للغاية وبرغم صعوبة الموقف وقسوة الظروف والضغوط المادية الكبيرة ، لم يتخلى أبو سليمان العم قاسم عن هذه العائلة ولم يتركهم لقارعة الطريق فلا أقارب للأم تلجأ إليهم ولا أثر لوالدهم ومعيلهم فالزم نقسه كفالتهم طوعا دون أن يكلفهم شيئا ، وساعد الأبناء في مصاريف دراستهم وتحمل شرف مسؤولية الاشراف عليهم ، عسى والدهم يعود يوما فيقوم بواجبه ولكنه لم يعد على حد علمي إلى هذه اللحظة .
.
تولى الصرف على هؤلاء المستجيرين به وحده ، ولم يتركهم عرضة تنهشهم أنياب الزمن ، وتقاسم لقمته هو وابنائه معهم لمدة لا تقل عن عشر سنين وهو يقوم بهذه الحقوق ولم يطالبهم بشي دون تكليف من أحد سوى ضميره الحي وأخلاقه النبيلة وشيمته العربية الأصيلة .
صحيح هناك خيرون كثر ، ورجال أعمال ينفقون في كل وجه ، والفارق أن العم قاسم تحمل هذه الأسرة في ظل ظروف مادية قاسية فكان من الذين " يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ". ويجودون بطيب بأنفسهم لا ينتظرون جزاء ولاشكورا إلا من الله وحده ، لقد ضرب أروع الأمثلة للعطاء والإيثار فكان رمزا من رموز فيفا للشرف وشيخا من شيوخها .
من قبل الإسلام والعربي يعتز بشرفه وكرامته ويدفع دونهما كل ثمن فداء للشرف والسؤدد ، ويتعدى الشرف عند العرب إلى الالتزام بالكلمة الصادقة ، والوفاء بالوعد والدفاع المشروع عن العِرض ، و أخلاق الحرب والسلم ،والقيام بواجب الضيف وشرف الخصومة وإجارة المستجير ، وجاء الإسلام ليؤكد هذه المعاني والقيم الفاضلة التي تميزت بها أمة العرب عن غيرها .
كُتب التاريخ تفيض بقصص الدفاع عن الشرف بهذا المعنى الواسع النبيل ؛ لأن تاريخ الأمة العربية والإسلامية الأخلاقي كان تاريخا مشرفا زاخرا بقصص المرؤة والوفاء والنبل والفعل الكريم ، وباعتبار القبيلة كيان اجتماعي فإن القبيلة العربية منذ نشأتها تتفاخر بالدفاع عن القيم السامية والتي هي باقة من الأخلاق الفاضلة .
في تاريخنا المعاصر ظلت قيادات هذا البلد ومازالت تضرب أروع الأمثلة في الدفاع عن الشرف والكرامة العربية والإسلامية ، وقد سطر التاريخ المعاصر موقف خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز من دولة الكويت الشقيقة أثناء الاجتياح العراقي فكان رمزا خالدا في محافل الشرف ..
هذا غيض من فيض وقصة من القصص التي لا تنتهي لقيادة هذا البلد وابنائه وأعيانه للجود و العطاء والبذل والإيثار والدفاع عن الشرف .
بقلم : محمد عايض آل عمر