المنصب ، الكرسي ، الهالة ، الزفة ، التطبيل ، إطعام الفم ، عندما تكون في مواقعها يصبح الصمت حولها رافعا إشارة التحية والإجلال ، وعندما تغادر هذه المقومات من هناك تتناولهاالكفوف والألسن والتصويرات وينقشع الرعب الذي كان.
كم من مشالح اصحابها فوق الرأس ، وكم من مشالح تصرخ لصاحبها وتقول خلصني من هالة بلا افكار ، وكم من مشالح إذا تكلم صاحبها عز الكلام واشرأبت لها الأعناق ، وكم من مشالح تمنت مجالسها صمت صاحبها والإكتفاء بزينة التطريز الذهبي .
كاريكاتيرات عديدة تم فبركتها لرؤساء راحلين كان آخرهم في الايام السابقة رئيس أمريكا السابق ، وتأملت أصحاب هذه الكاريكاتيرات عما إذا كانوا بتصالح مع انفسهم ورؤسائهم ومجتمعهم ليتناولوا البعيد الذي كان ، والخوف لما يفكرون به من أفكار ، وكيف كان لأسماء الرؤساء الراحلين بطريقة دستورية منظمة ومعروفة مسبقا مثل الإنتخابات دون أن يكون سبب مغادرتهم عداء مباشر بحقد وكراهية وصراع مباشر تخطى السياسة من داخل حقدهم ، كم كان لهؤلاء المغادرون رنة فزع قبل ساعات من مغادرتهم الموقع ، وكيف تبدلت الاحوال !!
ماذا ينتظر رؤساء أصحاب تلك الصور بعد رحيلهم في الوقت الذي يجدون الآن التطبيل والزفة من هؤلاء الذين نشروا صورا للراحلين بسلام امام دستور معروف في المثل القديم ، ( لو دامت لغيري لما آلت إليّه )
ماذا لو كنت وزيرا وعرفت أن احد العاملين معك نشر هذه الصور وانت تعرف أن خلافا حاصلا بينك وبين هذا الموظف ، كيف تكون نظرتك لنفسك ، وتتأمل كيف سيكون شكل الكاريكاتير الذي يضعك به بعد مغادرتك بساعات ، فتكتشف الكثير قبل أن تطير .
إن للمناصب والكراسي جبناء ومظلومين ، أما الجبناء فهم الذين لايدركون شيئا عن الراحل وكانوا يتجمدون من إسمه ، واليوم باتوا يتناقلون صورا لمن كانت له القوة والقرار ، ويقابل هذا الجبن مظلمون اجتمعوا على رأي ملموس أن دمر رئيسهم إدارتهم بالتعسف والجهل والعظمة بفراغ فكري ، وكان صوته فقط يصرخ بكلمة أنا المدير .. أنا المدير ، فصمتوا من أجل الإستمرار وكشفوا جهله بعد أن غادر ، ويبقى الرأي العام أكثر صواب من الفردي ، لأن الوجدان المنفرد لا يمثل قوة عظيمة امام الوجدان الجماعي الذي يتكون بعد سنوات من الصبر على حالة قهرت الجميع فاليوم تنفسوا الصعداء .
وللمجتمع أيضا نصيب من الجبناء والحكماء ، بالرغم أن القوة تكتمل بالمال والمعرفة ، فإذا غاب احدهما فلن تكتمل القوة ، فإذا كنت صاحب مال ترغب ببناء مصنع فلن ينفعك المال مالم تجد النصف الآخر من القوة وهي المعرفة والعلم والتنفيذ .
وكم من اناس يهمهم أن يكونوا حول صاحب مال وجاه مزيف ، ويهمهم أن ترتسم رائحة العطر على مسام اياديهم حين المصافحة ، وكم من أناس إذا اطعمتهم كسبت ولائهم واحتويت مزاميرهم وطبولهم وزفّتهم ، وكم من مشالح قيمتها المادية أكبر من القيمة المعنوية لمن يرتديها ، وبين هؤلاء كم من بسطاء في المجتمع قيمتهم تتخطى كل القيم والمال والمبادئ وهم العظماء الذين يعرفون أنهم العظماء بأنفسهم بعيدا عن شحاذة مديح وتطبيل مؤقت ، فأعرف نفسك بدون الآخرين ، فالجبل يصعب صعوده وهو من الحجارة ، والبعير تنحره موسى صغيرة في شرخ عميق لا يتعدى عشرين سنتمتر .
بقلم
أ. طلال عبدالمحسن النزهة