لماذا يتناسى الجميع الحديث الشريف: "النظافة من الإيمان"؟ ولماذا يقتصر فهمنا للدين على ممارسة العبادات فقط؟ أما السلوك فنحن أبعد ما نكون عن الدين والإسلام، وخاصة فيما يتعلق بالنظافة والمحافظة على البيئة، لماذا نرى مثل هذه المظاهر القبيحة في أغلب العواصم العربية؟
في شوارع القاهرة؛ يفجعنا مظهر الزبالة المنتشرة في كل مكان، عن أي حضارة فرعونية تتحدثون يا شعب الأهرامات؟
في شوارع بيروت، تصيبنا حالة غثيان مما نراه من مخلفات متراكمة في الطرقات، عن أي حضارة فينيقية تتحدثون؟
وفي شوارع المنامة، تؤلم أنظارنا مشاهد العلكة الملتصقة بالأرض، وأكياس البلاستيك المتطايرة في الهواء، عن أي حضارة دلمونية تتحدثون؟
كم نتمنى ألا نرى تلك المظاهر التي تقول كم نحن جهلة ومتخلفون، ولا نحترم أنفسنا، ولا أرضنا، ولا كل الخيرات التي وهبنا الله إياها، وكلما رأينا مثل هذه السلوكات نشعر بإنه يفصلنا عن الحضارة والتحضر آلاف السنين، فالحضارة والتحضر سلوك، والفارق بين الشعوب المتحضرة والمتخلفة والجاهلة، يظهر جليا من خلال السلوكات التي يمارسها الفرد تجاه البيئة، لذلك يقول الإمام المجدد محمد عبده: رأيت الإسلام في بلاد غير المسلمين.
لكن لماذا عندما نسافر إلى الدول المتحضرة نلتزم بقوانين النظافة واحترام البيئة، وفي أوطاننا لا نلتزم؟
ومن السلوكيات القبيحة:
* امرأة، تكنس البيت، ثم ترمي القمامة أمام الباب وعلى الطريق، لتأتي القطط تنعم بالوليمة وتزيد الطين بلة.
* رجل يغسل سيارة، أو امرأة تغسل أرضية بيتها، ولا يهمهما لو وصلت المياه إلى بيوت الجيران وغمرتها بالتراب والطين المبلل.
* ربة بيت تستمتع بفتح صنبور المياه بلا توقف، أثناء غسل الأواني أو الثياب مثلا، وهدر الماء بلا بصيرة.
* رب أسرة يترك الأجهزة الكهربية تعمل ليل نهار، كالتلفاز والمكيفات ومصابيح النور وغيرها، ليهدر الكهرباء بلا تفكير.
* طفل يفتح غلاف الشيكولاتة أو الآيسكريم، ثم يرمي الورق على الأرض، ويلتهم ما بيديه بنهم وكأن شيئا لم يكن. وطفل آخر يركب دراجته الهوائية، وفي طريقه العابر، يرمي المحارم الورقية والبلاستيكية على الأرض ويمضي.
* شخص بالغ، يقود سيارته الفارهة أو القديمة، اللامعة أو المتسخة، فإذا به يرمي قنينة المياه أو كيسًا بلاستيكيًّا من نافذة سيارته، أثناء وقوفه عند إشارة المرور، أو يأكل ويرمي البقايا من نافذة السيارة وهو يقود، لتصطدم المخلفات بالزجاج الأمامي للسيارة التي خلفه.
* شباب يستمتعتون بالتخييم في البراري، يفترشون الخيمة، وبعد أن يقضوا ساعات من الفرح والطرب، يحملون أمتعتهم ويشدون الرحال، ويتركون كل فضلاتهم وقمامتهم على الأرض. أو شباب على الساحل، يستمتعون بهواء البحر العليل، ومياهه الدافئة، ثم يرحلون بعد أن يملئوا البحر بزجاجات المياه الفارغة وأكياس البلاستيك وأعقاب السجائر .
* عائلات يفترشون الحديقة العامة مع أطفالهم، يأكلون ويمرحون لساعات طوال، ثم يرحلون، ليتحول العشب الأخضر الذي جلسوا عليه إلى كتلة من الأوساخ والرماد، وتتغطى الحديقة ببساط من قمامة.
* وفي الممشى، نرى الزجاجات البلاستيكية وفضلات الطعام مرمية على الأرض، ولا يفصلها عن حاوية القمامة سوى خطوتين!
* امرأة تضحك ولا يعني لها الأمر شيئا، حينما ترى أطفالها يقومون برمي المخلفات والحصى في الساحل، أو الحديقة، ولا تُتعب نفسها لمنع أطفالها عن فعل ذلك.
* طالبة تشتري المأكولات في الفسحة، وترمي الفضلات في ساحة المدرسة، وطالب يستخدم المرافق المدرسية، ليتفنن في كتابة الكلمات البذيئة على جدران الحمامات، وطلبة يستخدمون الأدراج والكراسي المدرسية، إما للشخبطة عليها، أو للغش، أو من أجل إلصاق العلكة بها، أو لنشوب المعارك بها وعليها.
* شخص، رجلا أم امرأة، يمضغ العلكة، وبعد أن يلوكها، يخرجها من فمه ويرميها على الطريق! الغرامة على ذلك السلوك في سنغافورة واليابان 500 دولار، لماذا؟ لأنهم يفكرون في الجهد الذي سيبذله عامل النظافة من أجل إزالة العلكة.
* ومن التلوث الضوضائي حين يستخدم السائق زمور السيارة لأي سبب، أو حين يرفع جارك صوت المذياع ليلا ليزعج الحي كله.
هذه بعض السلوكات المؤذية للبيئة والتي نراها يوميا، فاتقوا الله في أنفسكم وأوطانكم. لكن من المَلوم؟ من السبب والمُسبب؟ مناهجنا؟ إعلامنا؟ تربيتنا؟
نتمنى من وزارة التربية تخصيص ساعة يوميًّا في اليوم الدراسي لكل المراحل الدراسية من الابتدائية حتى الجامعية، لتقديم درسا في البيئة عبر الأساليب العادية والإلكترونية وفي وسائل التواصل الاجتماعي، من أجل تعليم وتعويد وتدريب الطلبة على سلوكات النظافة، وأهمية المحافظة على البيئة.
ونتمنى من وزارة الإعلام تخصيص برنامجًا إعلاميًّا يبث يوميا من خلال الإذاعة والتلفاز ومختلف وسائل التواصل، لغرس وتثبيت سلوكات النظافة واحترام البيئة، في كل بيت، لعل الحال يتغير إلى أحسن حال.
فهل من الصعب تحقيق ذلك؟
الدكتورة أنيسة فخرو
سفيرة السلام والنوايا الحسنة
المنظمة الأوروبية للتنمية والسلام