رحل عن عالمنا بشكل مفاجيء المخرج السوري الكبير (حاتم علي) ، صاحب الملاحم العظيمة والأحلام الكبيرة ، مخلفا ورائه إرث من أعمال دارمية عظيمة ، و على خطا المخرج العالمي (مصطفى العقاد )أبدع في روي الذاكرة بمسلسلات تاريخية ، تعيد للمسلم إعتزازه بدينه ، وللعربي فخره بأمته ، وجَّه الأعمال المشاهدة إلى أجيال عزفت عن القراءة و البحث في الكتب وجل معلوماتهم من (وهوليوود ) ووسائل التواصل الاجتماعي ، فكان العلاج لهذا الجيل قراءة الكتب بدراما جاذبة تعرفه بتاريخه ، من أقواله ( هدف أي عمل بالدرجة الأولى متعة المشاهد ولكن نوع هده المتعة مرهون بطرفي المعادلة وسوية المشاهد الثقافية والفكرية وقدرته على التذرق والقراءة ) ، نجح في رفع ذائقة المشاهد وتثقيفه فكرياً ، أعاد للغة العربية الفصحى حضورها القوي وإحيائها في آذان الشباب بل وتقبلهم لأعمال تُحكى بلسان عربي مبين بعد هجر طويل لها ، أثبت أن الأعمال الدرامية تحمل رسالة سامية بعيدا عن الإسفاف والإبتذال وأنها قد تحقق أعلى الإيرادات وأقوى انتشار دون الحاجة لإستعمال تجاري كما يفعل الفاشلون ، تحدى بأعماله حمل قضايا عربية ويعيدني ذلك لإفتتاحية ( التغريبة الفلسطينية) حين يقول من يحمل عبء الذاكرة ؟ ومن يكتب سير من لاسير لهم في بطون الكتب ؟ أحيا قضية تغيب عن الجيل الحاضر ، وكادت تغيب عن اهتمامه وذاكرته فبعثها من جديد ، محرضاً على التعاطف مع قضية مصيرية ، أخرج الألم والحزن والخدلان والغدر ، معاني تنكشف لنا في حلقات متتابعه ، غربة الوطن وغربة الأرواح عن ذاتها ، ومن قدر الله أنه ( حاتم علي ) كانت مصيره المحتوم الغربة أجبر عليها فتوفى غريبا وبعيدا عن وطنه .
كون مع الدكتور (وليد سيف )ثنائي ناجح أبدع فيه الدكتور بالسرد التاريخي والحوارات الذكية ، تجلّت في تحفته الفنية ( الثلاثية )، كثيرون طالبوا أن تكتمل الى رباعية لكنه اكتفى بسرد وتصوير تاريخ الإسلام المجيد والفتوحات العظيمة ، أما تاريخ الانهزام فلاحاجة لنا به ، أعاد لأذهاننا أن هذه الأمة لها أمجاد وحضارات وقوة فلا تهنوا ولا تحزونوا فالأيام دول .
مسلسل ( عمر ) كان تحدي لإعادة الأسرة للإلتمام والمتابعة معاً ،ولتجسيد شخصية عظيمة يكن لها المسلمون التقدير والإحترام ، وتحدي أكبر إما أن يقبل العمل أو يُرفض ويكون أمام مسن سكين الرفض ، أبدع في سرد سيرة عظيمة لخليفة عظيم ، أتقن في تصوير مشاهد القتال والخطط العبقرية للصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه والتي يصعب تخيلها ، لكنه جسّدَ الخيال لمشاهد مرئية . ترضي فضول القراء والمشاهدين .
في (الزير سالم ) شاهدنا حياة العرب قبل الإسلام وأشهر الحروب بين قبائله ، وجمّلَ العمل بأبيات الشعر الخالده الى يومنا هذا .
إعتزازه بدينه وفخره بعروبته تجلّى في أعمال أنصفت تاريخنا ، لا أجد تبعا لأعمال العقاد رحمه الله إلا هو ، بل قد يكون تفوق عليه لكننا دائما نرجع الفضل للأصل ، أخرج أعمال لها قيم وأهداف وتعرض، نادرة وضح الشخصيات والاختلافات في تطويع الدراما لنشر التاريخ الإسلامي بصورة واقعية تنصفه أمام الكم الهائل من التشويه الذي يواجهه من الإعلام الغربي ، رحم الله المخرج الكبير وتقبله الله بقبول حسن .
بقلم : منيرة المخيال _الكويت