اجتمعوا في استراحتهم وكانت تلك الليلة مختلفة بين الأصدقاء، أكبرهم سنا في عامه الثمانين واصغرهم سنا في عامه الخمسين، وجاء كبيرهم يعرض مشروعا خاصا به يرغب أن يقيمه لنفسه حيث يتم تجهيز المشروع خلال عام ، ويبدأ مردود الدخل خلال شهور من إنتهاء المشروع، وأخبرهم عن المشروع وتفاصيله وطلب رأي الأصدقاء المتآلفين منذ سنوات عن خبراتهم.
صمت الجميع مهنئين ولكن في أعينهم إستغراب وسؤال وحديث كأنهم يستغربون من صديقهم في هذا السن المتقدم كيف يفكر بمشروع ونسوا لماذا أخفى الله الأعمار ليمد لهذا ويقصّر لذاك وله الحكمة والمشيئة والإرادة والعلم بأعمال عبيده والمتصرف كيفما يشاء.
وبدد إبن الخمسين إستغراب الباقين وتولى الحديث عنهم، وأعتقد نفسه حكيما عالما عارفا ، فوجّه حديثه لصاحب المشروع، وقال له أطال الله عمرك، الا ترى أن العمر مضى ولم يبق منه شيئا والخوف الا تكمل المشروع، فرد صاحب المشروع بإبتسامة هادئة وقال سأعمل حتى يأتي أمر الله فهو الذي يشاء ويعلم .
وبدأ المشروع وفي شهوره الأولى أختارت الأقدار أحد أصدقاء المجموعة فأنتقل لرحمة الله ، وانتهى المشروع ولا يزال صاحبه يعيش بنور الله ولكن لم يبق من مجموعته العشرة الا خمسة اما الباقون كانوا في ذمة الله.
وبلغ الرجل عامه التسعين وتراجعت صحته وتفرق الأصحاب ليعلم الرجل أنه لم يبق من مجموعة أصدقائه غير ثلاث أصدقاء وحتى صاحب الخمسين الذي كان أصغرهم اختارته رحمة الله.
هذا حالات بعض المجتمعات عامة، والذين يدّعون المعرفة والذكاء والثقافة أو الجهل في الخوض ببعض المعطيات الربانية المخفية في علم الله ، ويظنون برأيهم عالمين وهم عن نصحهم غافلون، فالحياة والموت أمرها عند خالقها ، فمهما رأيت من أمراض أو اعمار فلا تكن في زاوية الغباء بالقرار طالما الروح في جسد صاحبها، وكم من صحيح زار مريضا وعاد لأهله يخبرهم أن حالة المريض لاتدوم ويتوقع موته بنفس الليلة، ويتفاجأ الاهل أن المريض يحضر دفن صاحبه بعد أن قام من مرضه ومات صديقه الذي زاره وهو في صحته ، فلا تصدّق المرجفين في هذا الأمر الذين يؤكدون أن الموت يلاحقك ويتابعك ويتصيدك بسبب العمر وكأنهم يعطون للآخرين أملا في البقاء فيموت الصغير وتستمر حياة الآخرين ، ولا تجلس في مجالس هؤلاء بكل حالاتها صغيرا كنت أم كبيرا ، وأجعل علاقتك مع الله أنك تموت اللحظة و تعيش بعمر مديد، وكن متيقنا بقوله تعالى :- فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ
(55 سورة غافر)
بقلم
طلال عبدالمحسن النزهة