مررت ليلة البارحة بمدرسة الكسائي بسفيان سابقًا مرورًا أثار في نفسي شجون وعبرات وزفرات مالهن فناءُ .. وكما يُقال لابدًّ للمصدور أن ينفث. عندما عدت إلى بيتي تناولت قلمي وكتبت هذه الأسطر وعلى من يقرأ هذا المقال أن يعذرني إذا قصرت في شيء ما.
ولقد استوحيت قول ذلك الشاعر عندما مرّ على دار أحبته فوجدها خالية من أهلها ودار ندامى عطلوها وأدلجوا
بهـا أثرٌ منهم جديـدٌ ودارسِ
أقمــنا بها يومًا ويومًا وثالثا
ويومًا له يوم الترحل خامسِ
نعم إنّها ذكريات لا تنسى ومن ينكر فضل تلك المدرسة الأم التي لها الفضل على كل أبناء سفيان من تأسيسها عام 1394هـ وبدء الدراسة الفعلية منها عام 95هـ وكان ذلك في غرفتين من الحجر أو ثلاث وكان أول معلمين هما الاستاذان مطر ماطر القرشي وعلي خلف البلادي ثم تعاقب عليها المعلمون وأذكرُ أنّ الأغلبية كانوا من زهران وغامد وذلك لوجود معاهد معلمين في الباحة ثم قدوم المعلمين القادمين من الدول العربية عام 1400هـ من مصر وسوريا والسودان وهكذا إلى أن أصبح المعلمون سعوديين جميعًا.
ثم عدتُ إلى تلك الأم الحنون في 27 / صفر / 1410هـ وهو ذلك اليوم الذي انتقل فيه والدي رحمه الله إلى جوار ربه وعملت بها معلمًا مع زملائي من المعلمين من سفيان ومن القبائل المجاورة ومن الأشياء الجميلة في الذاكرة كثرة العدد من الأهالي في تلك القرية الوادعة الهادئة وتردد الأهالي للسؤال عن أبنائهم وتكرار تلك المقولة السائدة في وسط العامة من القبيلة " لكم اللحم ولنا العظم " رحم الله من غادر هذه الدنيا منهم وهي مقولة بالرغم من جورها وقسوتها حقيقية لك أيها القارئ أنه تفهم منها مدى الرجولة والحرص على التعليم في ذلك الزمن الجميل يعجبُني في أولئك الرجال أنّ المبدأ واحد
شــرف الوثبة أن ترضي العُلا
غلب الواثب أم لم يغلبِ
وكان العدد يصل إلى مئة وستين طالبًا
وفي نهاية كل عام نقوم بتوزيع النتائج على الطلاب عن طريق الاذاعة المدرسية بعد جهد جهيد من الأعمال التحريرية الكتابية سواءًا تحرير النتائج أو كتابة الاسئلة وطباعتها على آلة الاستنسل التي طالما نعاني منها والكتابة والتحضير على الاتريك والفانوس في البيت " سهر وتعب ومعاناة " لعدم وجود الكمبيوتر ....الخ
ومن أجمل اللقاءات والحوارات كانت مع الشيخ الأديب عبدالله بن محمد رحمه الله الذي لا تخلو الجلسة معه من طرفه أدبية وحوار شعري.
وكان من ذلك أنني استشهدت مرة ببيت للمتنبي:
قفي تغرم الأولى من اللحظِ مهجتي
بثانيةٍ والمتلف الشيء غارمـه
فقال هذه قاعدة شريعة من أتلف شيء غرمه .. حوار جميل ..
وكان من العادة أن يقوم بعمل وليمة غداء للمعلمين نهاية كل عام في منزله
آه ما أجمل تلك الأيام وما أحلى الماضي بكل مافيه من ذكريات وهل الحياة إلا ذكريات
كما قال شوقي:
مثلت في الذكرى هواك وفي الكرى
والذكريات صدى السنين الحاكي
ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنها أحلام ..
لقد أصبحت الديار خالية من أهلها والمدرسة مغلقة الأبواب إلى غير رجعة فتذكرت أنّ هذه سنة الحياة التي لا تدوم
دقـات قلب المرءِ قائلــةً له إنّ الحياة دقائق وثواني
لقد أشجاني ذلك الزمن الجميل الذي عشناه سلفًا وهزني الوجد ولست بشاعرٍ حتى أعبر عمّا تجود به نفسي لكن اسمحولي بأن أكون شاعرًا دون بحرٍ وقافية والسلام ..
بقلم
أحمد سعيد الشهري
التعليقات 1
1 pings
زهراء الشهري
2021-05-25 في 1:57 م[3] رابط التعليق
جميل الكلام وفيه كميه حنين “ابي المعلم الذي كاد ان يكون رسولا” ♥️