في يومٍ ممطرٍ خلَّابٍ ، رأى جروٌ صغيرٌ ابنَ الماءِ (مالك الحزين) ، مطأطئَ الراسِ كئيبًا أَسِيًّا مهمومًا ، فقال له الجروُ : الجوُّ رائعٌ وممتعٌ وبهيٌّ يا صديقي ، والكلُّ يلعبُ ويمرحُ ، وأنت الوحيدُ الذي لا يبدو عليك الطرب والبهجة ، فلماذا أنت حزينٌ ؟
قال ابنُ الماءِ : لقد أخبرتني عمتي اليومَ بأن والدي مالك الحزين أكله الثعلبُ قبل عدةَ أسابيعٍ ، وبعد ذلك بأيامٍ أكلَ الذئب أمي !
فقال الجرو : سمعنا عن قصةِ أبيك ، بينما لم نسمع عن أمِّك ، ماذا حدث لها ؟
قال ابن الماء : أكلها الذئبُ وهي تبيضُ ؟
افترَّ الجرو (ابتسم) وقال : كيف أكلها الذئب وهي تبيض ؟
ومن الذي حضن البيض ؟
ومن الذي رعاك حتى كبرت ؟
قال ابن الماء : عمتي مالكة !
قال الجرو : وأين عمتك مالكة ؟
قال ابن الماء : لا أريد أن أراها ، لقد عقدتني بكثرة النصائح !
وبينما هُما يتحدَّثانِ جاءت عمّتُه مالكة ، وقالت : يا ابنَ الماء ! لماذا أنت بجانب هذا الكلب ؟
قال : إنه صديقي !
قالت عمته : منذ متى وهو صديقك ؟
قال : قبل أن تأتي يا عمة !
قالت : يا ويلي يا ويلك !
اترك هذا الكلب وطِرّ بعيدًا عنه !
قال : إنه جروٌ صغيرٌ وأستطيعُ أن آكله !
فضحكت عمته وقالت : بعد شهرٍ سيصبح كبيرًا وسيأكلك .
قال : بينما هو يكبر سأكون أكبر منه .
فقالت عمته : لا حول ولا قوة إلا بالله ، أنت مثلُ أبيك عنيدٌ وغبيّْ ، وستكون عاقبتك مثله !
أوقف الجروُ مالكةَ الحزينة عن الكلام وقال لها : من المعروفِ مُنذ القدم ، أن الكلب مشهورٌ بالوفاءِ والإخلاصِ والأُُنسِ لصديقِه ، وهو يضحِّي ويحمي من يحبه ، وهذه صفات لا توجد إلا في فصيلتنا نحن الكلاب .
اقتنع ابنُ الماءِ بكلامِ صديقِه الجروِ ، أما عمته مالكة فلم تقتنع بذلك ، واعتبرته حيوان مفترس ، ومن آكلات اللحوم ، وليس له ضمان .
تصادقَ الجروُ وابنُ الماءِ ، وظلَّا يمشيان معًا طوالَ الوقتِ ، وجميع الطيور تنظر إليهما بعجب واستغراب ، كيف كلبٌ وطائرٌ صديقان ؟
أحبَّ ابنُ الماءِ صديقَهُ الجروَ ، وتغيرت طباعه ، وأصبح فرِحًا منبسط الأسارير ، حتى إنَّ الطيورَ أسمته مالك السعيد .
كَبِرَ الجروُ وأصبح كلبًا ضخمًا ذكيًًا شجاعًا ، وكان صديقه ابن الماء يتباهى به ويركب على ظهره معتزًّا مختالا .
وفي يومٍ من الأيامِ مَرِضَ ابنُ الماء ، فظلَّ صديقُه الوفيُّ يرعاه ويهتم به ، ولمَّا لاحظ الكلبُ أنَّ حالته لم تتحسن ، قال له : لا بد أن أُحضِرَ لك طبيبًا .
ذهب صديقه المخلص ؛ ليحضر له طبيبًا ، وكان الثعلبُ الذي أكل أبا مالك الحزين يتربصُ وينتظرُ تلك الفرصة .
وبعد أن تأكد الثعلب من تَنَائي الكلب (بُعْدُه) ، ذهب إلى مأواهما ، فوجد ابن الماء هاجدًا في غفوةٍ ، فأحسَّ ابن الماء باقترابِ شيءٍ غريبٍ ، فالتفت فإذا به الثعلب !
فَزِعَ وارتعبَ ابنُ الماءِ ، وظلَّ يصيحُ بأعلى صوته الذاوي (الضعيف) ، فسمعت بعضُ الطيورِ المجاورة صوته ، وانطلقت لتشاهد ما به ، فرأت ثعلبا أمامه يريد أن يفترسه !
قامت تلك الطيور بالمدافعة عن ابن الماء ، وحاولت الذود (الدفاع) ومنع الثعلب من الوصول إلى ابن الماء ، فكلما اقترب هاجمته وآذته ، ولكن الثعلب أصر على أن يأكل ابن الماء ، فاقترب وأمسك بجناحه الأيسر ، وظل ابن الماء يقاومه وينقره ويخدشه بمخالبه .
لمحَ الكلبُ حوم الطيور وتجمعها على مقر سكنهما ، فهب مسرعًا ، فلما وصل شاهد الثعلب ماسكًا بجناح صديقه ابن الماء ، فقفز على ظهره وأمسك برقبته ، ففكَّ الثعلب فمه وأطلق جناح ابن الماء ، وظل يقول للكلب : اتركني يا صديقي ، اتركني يا صديقي ، فأنا لم آتي لآكله وإنما لأنقذه !
صدَّق الكلب الطيّب قول الثعلب فأفلته ، فانطلق هاربًا قائلًا للكلب : لقد خدعتك يا غبي فالحقني ، فاغتاظ الكلب وحاول اللحاق به فلم يستطع .
عادَ الكلبُ إلى صديقِه ابن الماء فوجده متأثرًا ، فقال له : لا بأس عليك ، ستتحسن إن شاء الله ، وبعد قليلٍ جاءت بعضُ الطيورِ بالطبيبِ المختصِّ ، فعالجه وضمَّد جراحه ، وقال للكلبِ : أنت نِعْمُ الصديقِ ، انتبه وكُنْ حارسًا عليهِ حتى يُشْفَى تمامًا .
وبعد أن اطمئنتِ الطيورُ على ابنِ الماءِ ، شكرتِ الكلبَ الوفيَّ على حُسْنِ صنيعهِ ، وقالت له : أنت من اليومِ راعٍ وزعيم .
تأليف : مهدي جدُّه حكمي
⬅️ للإطلاع على مدونتي في الفيسبوك ، اضغط على الرابط :