يصل (الثرباني) إلى بيته فهو لا يختلف عن منازلِ تهامةَ بحجارته السوداء، له (قُترة) ونوافذُ من خشبٍ صَلْب دُهِنَت بالقطران تلاصقه غرفةٌ مستطيلةٌ سقفها مغطّي بأشجارِ المضِ يتوسطها (الزافر) ،يوضع مفرح على (ركيّة) فيُحضَرُ له ماء وبعض الريحان المبلل فقد يستنشق رائحتة الندية فيصحو من إغماءته ..
بعد شهرٍ من الوجع والصراع مات مفرح غريباً، ليدفنَ في مقبرةٍ في أعلى القرية بين أناسٍ لا يعرفهم ولم يعشْ لحظةً بينهم , دُفِنَ في تربةٍ لم تطأها قدمُه يوماً وصلّى عليه أناسٌ لم يسجدْ معهم يوماً في مسجدٍ واحد , كل ما في الأمر أن أقدارَنا هكذا تشبه المطر تسقط فجأةً وتتوقف دون أن يكون لنا يدٌ فيها ..!
بكري قدمه بدأت تلتئم بعد أن صَحِبَهُ أناسٌ من القريةِ إلى (العين الحارة) لمدة شهر يطببونه ويداوون جُرحَه ولكن رجلاً من أهلِ القريةِ يدعى (مفتي) .. وهو خبيرٌ في مداواة الجرحى وتطبيب المرضى كما أنه يجيد النجارة وصناعة (الشباري) وبارعاً في نقدِ الأبقار فلا أحد يفكّر في شراء بقرةٍ أو ماشيةٍ من أهل القرية إلا ويستعين به فهو الأجدر بمعرفة أحوال الأبقار والأغنام وحتى موعد الزراعة والحصاد, فهو المرجع البيئي لأهل القرية ..!
مفتي أخبر بكري أن اتساع الجرح والألم لم يكن بفعل سم الأفعى فحسب، بل أن هنالك أمر أكبر من لدغة الأفعى فربما هنالك من دس له سماً أدهى وأمرّ وإلا لطاب الجرح وتلاشى السم في مراحله الأولى , بكري اهتز جسده وانتابه فزع وخوف من فاجعة ما سمع ..
لم يخطر في باله الآن سوى عمته (مطَرة) هي الوحيدة التي جاءت له بخلطة السدر والصبّار ولكن مطرةَ امرأةٌ في خريف العمر , مات ابن لها قبل عشرين عاماً في بئر القرية، انزلقت قدمه وسقط مع الدلو، ومنذ تلك السنين وهي تعيش حرقة وألماً لفقد ابنها الوحيد ..
وليس لها سوى حقل تزرعه بالريحان؛ كي تبتاع منه في سوق الاثنين، ولها بقرتان وحمارة سوداء تشدّ عليها (الخُرج)؛ كي تضعَ رياحينها فيه عند ذهابها للسوق من كل أسبوع، وقد تحلّ مكان الخُرجِ قربتين تملؤهما بالماء ومن ضعف حيلتها أنها لاتصل إلى بيتها إلا ونصف القربتين قد تصبب ماؤهما في الطريق ،فالمارة حين يلمحون ماءً منسكباً على طول امتداد الطريق ما بين القريةِ والبئرِ يعرفون أن مطرةَ قد مرّت من هنا ..!
فكل ما يعرفه أهل القرية أن مطَرة هذه صامتة حزينة منذ أن مات ابنها , حتى في أفراح القرية فالنسوة (يرْبَخُن) و (يتعكّرن) ويتطيّبن ويملأن أكفهنّ بالحناء ويغطرفن إلا مطرة هذه تبقى صامتة كأنها في مجلس عزاء , وكأن الحزن قلادة معلقة بعنقها كلما كبُرت تضيق لتغصَّ بها فتزداد ألماً ! كان بكري يصمت فجأة في منتصف حديثه مع الناس كلما تذكّر أن عمته مطَرة قد تكون هي التي خبّأت سماً ونقعته بخلطة السدر ، ولكن لا يجدي شيئاً ردم الأحداث فوق بعضها الآن ،فهو في غير قريته ومازال يتطبب من السم وموت خاله مفرح مازال يرْكُز الحزنَ في قلبه كحربةٍ ذات حدّين فهو لازال إلى الآن غريباً , وفي عقله أحداث تهدر لا يعرف كيف سيواجه بها الناس عند عودته إلى قريته .
(يتبع)
محمد الفقيه الشهري
كاتب وأديب
- سياحة سيدات العدالة أبطال المملكة
- “تمكين تعليم الربو” ختام فعاليات اليوم العالمي للربو بالدمام
- الأخضر السعودي يحقق أول إنجاز تاريخي له في البوتشيا
- براعم الاتحاد ابطالاً لبطولة المملكة للأندية لفئة البراعم تحت 15 سنة لرفع الاثقال
- أخضر التايكوندو يحطم الهيمنة الكورية ويعانق الذهب الآسيوي للمرة الأولى تاريخياً و دنيا والظافري يكتبون التاريخ
- “التخصصي” يفوز بجائزة الرعاية الصحية القائمة على القيمة
- آلية التسجيل في خدمة النقل المدرسي عبر نظام نور للعام الدراسي القادم 1446هـ برنامج تدريبي بتعليم جازان
- افتتاح منصة الحجوزات للإبحار على متن ” أرويا كروز” أول خط رحلات بحرية سياحية عربية لكروز السعودية
- في “مركزي” القطيف ..16 ورقة علمية بمؤتمر النهج السريري لأمراض السكر و الغدد الصماء في الرعاية الاولية
- #الهيئة_السعودية_للبحر_الأحمر تصدر أول تراخيصها لمشغلي المراسي البحرية السياحية
المقالات > الجــــــــريــــــــن ٥
محمد الفقيه الشهري
الجــــــــريــــــــن ٥
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.watannews-sa.com/articles/56042.html