غيثة تعقد على أصابعها أيام الغياب لبكري ، تحسُبُ اللحظاتِ الفارقة في حياتها ،بكري لم يعد منذ أكثر من شهر فليس من عادة الذاهبين إلى (العين الحارة) أن تطول بهم المدة لأكثر من أربعة أو خمسة أيام ،أما رحيل بكري فقد طال أمده ،كل ما يخفق في أنفاسها أن بكري قد مات ،وليس هنالك شيء تخلقه في داخلها غير ذلك ،فمقعده الذي يجلس عليه عند عودته من حقله بات خالياً من أنفاسه ،و(حوكته) معلقة بالزافر منذ أن غادر ،و(مكحلته) على حالها ملقاةً بداخل (سحّارةٍ) قديمة ورثها بكري من جدته ، وعصاته التي يهش بها أغنامَه مازالت مركونة يلفها الغياب والحزن ..!
منذ أن غادر لم يأتِ بشيرٌ بخبرٍ أو نبأ له أو لخاله , فالناس باتوا يتساءلون عن أمر بكري ،والأسئلة التي تطحن في رؤوسهم أن بكري ربما قد مات، فقد تشابكت كل الاحتمالات المثقلة في أحاديثهم ،ولكن الاحتمال المُر الذي لا يستطيع أحدٌ الجزمَ أو حتى القطع به أن بكري قد غادر الدنيا .. !
في (سوق الاثنين) حيث التظاهرة الأسبوعية في حياة الناس وملتقاهم الاجتماعي والتجاري والذي يعجّ بالقادمين من كل مكان أخذ أهل القرية وكبرائها بالبحث عن أناسٍ من أهل ثربان فربما يجدون خبراً أو أمراً عن بكري وخاله , ظافر من سادة القرية ، يتذكر صديقاً له من ثربان ،التقاه في سنة من السنين في الحج وعادا معاً في قافلة واحدة ، راح يسأل عنه فربما تقوده الصدفة إلى السوق ، لكنّ محاولاته وغيره من أهل القرية لم تُجْدِ نفعاً ، فليس من بين القادمين إلى سوق الاثنين أناس من أهل ثربان ، فقبل أربعة أيام يتحدث الناس عن سيلٍ اجتاح قرىً كثيرة هنالك ، فانقطعت الطرق ،وتهدمت بعض الدور ، وتغيرت معالم الأودية ، فالناس باتوا يفتشون عن ماشيتهم ،وهتافاتهم بالسؤال عن أحوال بعضهم تجوب القرى وكأنها تطرق المنازلَ حجراً حجرا ، مفتي يصرخ ليسألَ جارَه عن حال بلاده وحصاده ،فيرد المتجاورون بتمتماتٍ تشي بأحوالهم، إما بؤساً أو ألماً أو فرحاً للناجين من قبضة (سيل الخميس.. (يتبع)
محمد الفقيه الشهري
كاتب وأديب
تويتر:
@mohmed_alshehre
سناب شات:alshehri22111