الهلع التام في قصيدة عبيد بن أيوب العنبري.
* عندما يستبد الخوف في النفس البشرية يصبح الإنسان في حالة غريزية من الدفاع الوجودي، وجنوح نحو مواجهة الخوف ومحاولة تثبيط مصادرة الداخلية.
فالخوف حالة نفسية تستفر كل قوى الإنسان العاقلة وغير العاقلة للدفاع عن الذات، ويبرز عنصر الإنكار الجرمي كحالة شديدة الوضوح خاصة لدى الجناة الذين يحلفون ويقسمون بل ويسكبون الدموع كدليل لعدم ارتكابهم الجرم بالرغم من أن كافة الأدلة تقر بغير ذاك وتؤكد مقارفتهم للجريمة وهذا الأمر جلي لمن يعمل في المجال الجنائي،
قد يبدوا هذا الأمر وان غير منطقيا وأنه اشبة بمسرحية. إلا أن علماء النفس يؤكدون أن هذا الأمر هو أمر منطقي تماما لأن الإنسان يكون بصدد حالة دفاع وجودي عن ذاته وقد عملت الغريزة استنفار كل قوى الإنسان وسخرتها بهذا الاتجاه.
ويظهر هذا الاتجاه جليا في شعر عبيد بن أيوب العنبري وخاصة في هذه القصيدة.. حيث يخاطب الخليفة الأموي الذي أهدر دمة لكثرة جناياته كان قبل ذاك أن نفر منه قومه واخرجوه نتيجة لتصعلكة.
فيبدأ بمخاطبة الخليفة يستعطفة أن يمنحة الأمن والأمن هنا حالة عامة شمولية تختلف عن الامان فالامان يكون بواقعة محدوده، ويطلب هذا الأمن كنتيجة لعدم ارتكابه اي جرم وعدم وجود أي دليل عليه وإذا قام الدليل يؤكد الشاعر ان الجزاء تقطيعه اربا صغيرة تبدأ من تقطيع أصغر جزء في اصبعه.
وهنا الشاعر في حالة دفاع وجودي فرضته حالة الخوف بمحركاتها الاواعيه.
فالخوف وان بدى أن محرضاته خارجية وتوصل الشاعر إلى السلام التام مع البيئة. إلا أن هذا الخوف يفرض منهجية التناقض حتى القصيده. فبعد تناقض الشاعر مع نفسه وإنكاره جرائمه بالرغم من ارتكابها نجده يوكدها مره اخرى في آخر بيت (أخا حرب مجنيا عليه وجانيا. كذلك يظهر التناقض في علاقته مع الظباء التي وكأنه بينها وبينه نسب ثم يستعطفها ويطلب منها حُسن الصحبه وان تخفيه ثم يعود لينقض عليها ويقتنصها حيث يقول (فقد لاقت الغزلان مني بلية)
خلاصة القول إن الهلع الذي يعيشه الشاعر يلقى بظلاله وتناقضاته على قصائده في حالة من الدفاع الوجودي غير الواعي.
القـصيــــــــــدة
أَذِقنيَ طَعمَ الأَمنِ أَو سَل حَقيقَةً
عَلَيَّ فَإِن قامَت فَفَصِّل بنانِيا
خَلَعت فُؤادي فَاِستُطيرَ فَأَصبَحَت
تَرامى بِهِ البيدُ القِفارُ تَرامِيا
كَأَنّي وَآجالَ الظِّباءِ بِقَفرَةٍ
لَنا نَسَبٌ تَرعاهُ أَصبَحَ دانِيا
رَأَينَ ضَئيلَ الشَّخصِ يَظهَرُ مَرَّةٌ
وَيَخفى مِراراً ضامِرَ الجِسمِ عارِيا
فَأَجفَلنَ نَفراً ثُمَّ قُلنَ اِبنُ بَلدَةٍ
قَليلُ الأَذى أَمسى لَكُنَّ مصافِيا
أَلا يا ظِباءَ الرَّملِ أَحسن صُحبَتي
وَأخفينَني إِن كانَ يَخفى مَكانِيا
أَكَلتُ عُروقَ الشَّري مَعكُنَّ وَالتَوى
بِحَلقِيَ نَورُ القَفرِ حَتّى وَرانِيا
وَبِتُّ ضَجيعَ الأُسودِ الجَونِ بِالغَضا
كَثيراً وَأَثناءُ الحَشاشِ وسادِيا
فَقَد لاقَت الغِزلانُ مِنّي بلية
وَقَد لاقَت الغيلانُ مِنّي الدَّواهِيا
وَمِنهُنَّ قَد لاقَيتُ ذاكَ فَلَم أَكُن
جَباناً إِذا هَولُ الجَبانِ اِعتَرانِيا
أَذقتُ المَنايا بَعضَهُنَّ بِأَسهُمي
وَقَدَّدنَ لحمي وَاِمتَشَقنَ ردائِيا
إِذا هِجنَ بي في جُحرِهِنَّ اِكتَنَفنَني
فَلَيتَ سُلَيمانَ بنَ وَبرٍ يَرانِيا
فَمازِلتُ مُذ كُنتُ اِبنَ عِشرينَ حِجَّةً
أَخا الحَربِ مَجنِيّاً عَلَيهِ وَجانِيا
بقلم
محمد حمدان العنزي. الاردن