وضع ماءه في وعاء من الخزف ،ساق ثلاثا من الشياه نحو المرعى،قالت له أمه اختر الأرض التي يتوفر فيها العشب وارجع مع مغيب الشمس ،الجو في تلك الليلة يمتلئ بالغبار الموسمي، اختار أرضا مخضرة،النبات الذي فيها تفضله الشياه ،علق السقاء في جذع شجرة وتركها تتحرك بحرية ،ذهب ليشرب ،سمع صوتها وكأن شيئا يطاردها ،جاء إليه صاحب الأرض، أمسك بشعره المجعد الذي ملأه التراب،خرجت منه خصلات من شدة النتف، هربت الدواب وسط الغبار واختفت ،أخذ منه السقاء ودفنه في الأرض،عاد باكيا قبل الغروب ،اشتكى من القهر ومن رجل تسلط عليه ،قالت له: كفكف دموعك، أخبرها بالأرض التي دفن فيها السقاء،ناولته عصا وماء، أكدت له أنه سيشتري الأرض يوما بما تحتها ،تشجع ،قويت عزيمته ،عاد يبحث عن دوابه ،وجد بعض الرعاة قد ضموها إلى مواشيهم ، اقتسم معهم ماءه ،بحث عن سقائه المدفون فلم يجده،أكمل الرعي إلى الغروب ولايزال كلام أمه يرن في أذنيه ،ماتت الشياه فيما بعد، غادرت أمه الحياة ولم تغادر معها كلمتها ، عندما كبر عرضت أرض المرعى للبيع ،اشتراها ،هطل المطر في فصل الخريف ، حرث الأرض الواسعة،خرج مع آلة الحرث أصول الشجرالقديم والسقاء المدفون،شرب من الماء الذي عبأته أمه منذ زمن ،علقه في الشجرة المتفرعة،أكمل الحرث وهو يردد نصيحتها.
محمد الرياني