تتعاقب الأيام يومًا تلو الآخر، وتنقضي أعمارنا وتسير نحو النهاية، كل يوم يمر علينا يخبرنا أنه ذهب، بل كل ساعة، بل كل لحظة، ومع مرور تلك الأيام والسنين، نصادف آلاف من الناس والمواقف المحسوبة وغير المحسوبة، نحن نتاج لمجتمعنا لا بد أن نلبس ثياب المجتمع وعاداته وتقاليده وعقيدته، فإن كنت مخالفًا لذلك سيطلق عليك بالشاذ مع اختلاف مدلولاتها، ولكن أنت في الحقيقة شاذ في تفكيرك مخالف للجميع غير اعتيادي فيما تطرح، كلمة شاذ ليست كلمة سيئة، كما تبادر لذهنك الآن، لا بل معناها اللغوي "مخالفة القاعدة"، ومهما كانت تلك القاعدة سواء كانت سيئة في أن خالفتها، أصبحت شاذًا، وإن كانت جيدة أيضًا أصبحت شاذا في عموم الأمر، وخلاصة القصد أن الشذوذ هو السير عكس التيار، ماذا أقصد بعنوان الموضوع؟! التأثير الرمادي، نحن قد نستطيع توجيه ثقافتنا والعلم الذي نريد تعلمه نستطيع أن نضع لأنفسنا طريق ونسير عليه ونحدد تخصص يناسبنا ويروق لميولنا، ندخل إلى القاعات بإرادتنا ونشتري الكتب بإرادتنا ونتابع المحطات الإذاعية والتلفازية بإرادتنا، كل ذلك ينمي لنا ما نتابعه، وذلك واقع بسبب إرادتنا في تسليم عقلنا لتلك التأثيرات التي منحناها الإذن للدخول والتغلغل في عقولنا، استسلامنا لذلك التأثير يجعلنا نتلقى المعلومات التي نود تلقيها ونعتقد بصحتها ونعود عقولنا على استيعابها، ولكن ثمة تأثير رمادي مبهم يتسلل لأفكارنا دون علمنا، قد يكون ممنهجًا ومخطَّطا له، ولكننا لا نشعر بذلك، وقد يكون تأثيرا عبثيًّا غير ممنهج، ولكنه منبثق من هنا وهناك، يباغت عقولنا دون علم فيتدفق إلينا ونحن عنه غافلون.
أن تكون معلمًا في مدرسة أو أستاذًا في جامعة أو محاضرًا في إحدى الندوات العلمية، يكون جميع المصغين إليك في حالة استعداد للاستجابة، ويكون الجميع لديه فكرة عما ستطرح، وما الأهداف التي تريد إيصالها من خلال حديثك، هذا معتاد وهذا هو النمط الروتيني لهذه المواقف ولكن ثمة تأثير قد يلجأ له ذلك المعلم أو المحاضر لا يشعر به المتلقي حينها، ولكن مع مرور الوقت سيشعر به وقد تسلل إلى فكره؛ بعض المتحدثين يدسون بعض المواضيع التي يريدون إيصالها إلى المتلقي بالخروج قليلًا عن النص أو الدرس دون أن يشعر بها المتلقي، وفي كل يوم يوسِّعون تلك الدائرة في ذات الموضوع، بحيث لا يشعر المتلقي بذلك، خصوصًا إن كان مؤمنًا بذلك المتحدث وبعلمه، سيسلم عقله وتركيزه لذلك المتحدث، ما يساهم في زرع الفكرة غير المعلنة من المتحدث في عقل المتلقي، مع مرور الوقت ستتشكل الصورة التي أراد إدخالها المتحدث لذهن المتلقي، دون أن يعلن عنها أو دون أن يشعر بها، بغض النظر عن تلك الفكرة هل هي مفيدة للمجتمع والفرد، أم هي مدمرة لهما، بغض النظر عن مدى شرعية تلك الفكرة، استطاع المتحدث أن يوصل تلك الرسالة لذلك المتلقي دون أن يشعر بها، وهذا هو التأثير الرمادي الذي يقع على الفرد دون أن يشعر به.
إذا أردتَّ اكتشاف ذلك التأثير قبل أن تستسلم له ويغذي عقلك به، يجب أن تكون مركزًا في جميع ما يقوله المتحدث، ويجب أن تضع لنفسك هامشًا للاستدراك، ولتتذكر أنه لا يوجد مخلوق لا ينطق عن الهوى، إلا عراب الأمة ونبيها صلوات ربي وسلامه عليه، يجب أن تناقش ذلك المتحدث في أي إسهاب وضح أو رأي غير واضح أو خروج عن الموضوع الرئيسي، لا تكن مثل الإناء تحتوي أي شيء يوضع داخل عقلك سواء كان عسلًا أم سما، لا تجعل ذلك التأثير الرمادي يتمكن منك دائمًا، لا تستقبل إلا التأثير الواضح المستهدف حتى لا تضيع البوصلة وتنحرف عن خطك الذي وضعته لنفسك ويستغلك الآخرون في زرع أفكارهم #فيصل_السفياني من كتاب #إضاءات_بانورامية وتأثيرهم فيك.
بقلم : فيصل السفياني
التعليقات 1
1 pings
sahar
2020-08-22 في 3:36 م[3] رابط التعليق
مقاله رائعه اخ فيصل.. بس المجتمع يخالفون اي راي شاذ بالبدايه حتى لو كان صحيح بعدين يقلدونه وهذا اللي صاير..