الأفكار والمشاعر بعضهما يؤثر في الآخر ، فالأفكار تستجلب المشاعر و تؤثر في اتخاذ المواقف ، وبناء الأحكام وخاصة المصحوبة بسوء الظن والمحملة بالشكوك التي لا تستند إلى جذور حقيقية على الأرض ولا تتجاوز سوء الظن المنبعث من أوهام وخيالات وهواجس خطرة ، تدمر العلاقات وتقضي على زهرتها فتتحول من علاقات رائعة إلى مواقف عدائية .
يسقي سوء الظن بذور الشك ، الذي يفسر كل السلوكيات سلبا ، ويسهم في إصدار أحكاما متعجلة مليئة بالظنون والتهم التي تسئ إلى سمو العلاقة الإنسانية ، فتقطع عين وصالها ، وتحيل أزهار حدائقها إلى رفات ونعوش ، يستعر لهيب الجمر في أطرافها ، وتنوح البغضاء بين جنباتها ، وتشيعها الأحقاد وتسعى بها الكراهية إلى قبر القطيعة .
تتسلل تلك البذور الشيطانية لحظة انتشاء عاطفي خيالي من واش حقود ، أو غل ٍمن قلب حسود ، أو تاريخ ممطر بالبغضاء والغيرة وقهر الوساوس ، وأحيانا من تصرفات طائشة لاتدرك حجم العواقب والمآسي ، وتتحول العلاقات الراقية إلى مواقف مبنية على خلافات بينية مستمرة ونوايا متوجسة ، وشكوك وعلاقات متدهورة مريرة ..
حين تتبنى علاقاتنا الإنسانية سوء الظن منهجا ، بغير وعي لمخاطره ، وحين نتقبل بذور الشك على أرضنا ، سنجني ثمار شديدة المرارة ،خصوصا إذا اعتبرنا كل تلك الأراء البشرية المحملة ببذور الشك نصوصا معرفية ومسلمات ،لايمكن نقاشها وندافع عنها بكل ما أوتينا من سوء ظن ، حينها نقع في وحل مرارة سوء الظن وجمر الشك .
مهما كان الرأي البشري صوابا فإنه عرضة للنقاش ، وحقنا مناقشته وعرضه وبيان صوابه من خطئه خاصة إذا كان هذا الرأي البشري محملا بالتهم ونقف دفاعا عن مصداقيته ونتبناه بفخر باعتباره من المسلمات التي لاتقبل الجدل . في الوقت الذي لم تبن لنا عين الحقيقة ،ولم تبن دوافعه ، ولم نحط علما بجوانبه المختلفة وتفاصيله .
حين يتم إدراك الحقيقة تنقسم المواقف ، فأولئك الذين أصروا قطف ثمار بذور الشك ، يرون من الصعوبة التراجع عن مواقفهم مع معرفتهم بالحقيقة وأنها مغايرة وهم يصدرون في أراءهم عن خوف مبطن ، من عدم الثقة مجددا لذلك فهم يصرون على مواقفهم وهم يعلمون إن الحقيقة مغايرة لما بذر من الشكوك ، أما العظماء المتواضعون حين يرون الحق وتنجلي صورة الحقيقة يعودون عن سوء الظن بالآخرين .. ..
حين يُدرك الخطأ في علاقتنا الإنسانية وتظهر معطيات خلاف ما كان يُظن ، الواجب أن تتبدل الأحكام وتتغير المواقف ، حفاظا على العشرة واستمرارا للود وموقف وفاء لمن سيئت به الظنون ، ولو أن الأمر من بدايته ، كان حذرا من قبول بذور الشك في النفوس ؛ لتوقفت الوساوس عن قبول الأراء المحملة بسوء الظن ، واعتبر حاملها معرضا للخطأ والصواب وقابلا للأهواء البشرية المختلفة ، ولأبقينا على علاقة الود والوصال مستمرة .
إن الجريمة الكبرى تقع على عاتق باذر الشك وسوء الظن في أراضي الحب ، ويشاركه الذي سمح بسقيها بتصرفاته الهوجاء والغبية أحيانا فنمت شجرة الشك حتى كبرت وصار من المحال انتزاعها ، فتهدم بناء الأسرة وتشتت شملها وتقلب المحبة إلى عداوة والرحمة إلى قسوة والود إلى جفاء ، إن بقاء تلك العلاقات التي اهتزت و كادت أن تنهدم ، يستدعي التخفيف من حدة وساوس سوء الظن ، والصبر ، وحمل تصرفات الآخرين على أحسن النوايا الحسنة واختلاق الأعذار ، ما أمكن ومعالجة المواقف بحكمة وروية وصبر وحنكة حتى تبقى الأسرة حامية لكيان المجتمع . ويبقى الود والوئام هو الرابط بين كل أطراف العلاقات الإنسانية .