إنه العصر الجليدي ياقوم زحف للجزيرة العربية وتزداد حدته كل عام في فصل الشتاء، وبدأت حقائق قول المصطفى.
تتجسد بقوله لا تقوم القيامة حتى تعود للجزيرة مروجها وانهارها، وحتى تكون هناك انهار ومروج فلابد من أمطار، ولكن الأمطار وسيولها تتسرب للبحار والآبار الجوفية وتجف مع الشمس الحارقة إنما كثافة الثلوج وإستمرارها يعني بقائها في محلها حتى تبدأ بالذوبان، وهنا تبدأ الجداول الصغيرة أو الكبيرة حسب حجم كتل الثلوج التي تبقى في الأرض، ويبدأ الذوبان من فوق الجبال ليلتقي بذوبات ثلوج الأرض وتتكون الأنهار التي تسافر من مكان إلى مكان وتتلاقى مع أمطار في مواقع مسيرتها.
مؤشرات الشتاء الحالي للسنوات القادم يعلن أن العصر الجليدي بدأ في الجزيرة العربية، وقبل عامين كان في المناطق الباردة وكانت فرحة وبهجة لعدة أيام ينتهي معها ذوبان الثلوج القليلة في محلها، وتخضرّ مواقعه ويصبح منتزها طبيعيا للسكان ومنظرا رائعا يستمتع به المسافرون في الطرقات من مدينة لأخرى كما نشاهده في دول العالم التي تتساقط به الثلوج في فصل الشتاء ولجداولها طرقات ودروب تعرف إتجاهاتها، وفي عامنا هذا امتدت مساحة تساقط الثلوج في مواقع لم يسبق أن أستقبلت ثلوجا جعلت من الأرض بساطا أبيضا ارتفع عن الأرض.
هذه رسالة الشتاء الحالي يقدمها للجهات المعنية في التخطيط المبكر وهي رسالة إيجابية تحذيرية مؤكدة القول منذ بداية الإسلام وسبقها مؤشرات قبل بعثة المصطفى تؤكد أن الجزيرة العربية كانت في زمانها مروجا وأنهارا في مواقع عديدة منها اليمامة، وأيضا عندما ضاقت مساحة الزراعة في بابل على أحفاد نوح عليه السلام فبحثوا عن أماكن أخرى فغادرت مجموعة من مدينة بابل بحثا عن مواقع للزراعة وكان يترأسهم خبيرهم وقائدهم وإسمه يثرب فغادروا بابل ليصلوا ويستقروا في الأرض الغناء بنخلها ومائها وربيعها الدائم وأطلقوا على هذه المنطقة إسم يثرب وهو الذي ترأس المجموعة فزرعوا وانتشروا في هذه المنطقة وتزايدت أعدادهم ، وجاء بعدهم العمالقة وهم ملوك تلك الفترة في مناطق عديدة وانتهوا ثم جاءت قبيلة جُرهم بين يثرب ومكة ورحلاتهم للشام حتى هاجر المصطفى إلى يثرب وكره إسم يثرب فهو يعني التثريب بمعنى نزول التراب في قعر الماعون، فأطلق رسول الهدى المسميات الجميلة على يثرب لتصبح المدينة وطيبة وطابة والزهراء وبقية الأسماء التي تعطي المعاني العميقة.
هذه رسالة الشتاء تحكي عن الأعوام القريبة الماضية ومؤشرات الأعوام القادمة بعصرها الجليدي وقد بدأت تستنير معان الرسالة في هذا العام لما شاهدناه من تساقط الثلوج والأمطار وإرتفاع نسبة الثلوج فوق الأرض ومازلنا فرحين شاكرين انعم الله الذي علم الإنسان مالم يعلم في دفع الناس بعضها ببعض لئلا تفسد الأرض في حزمة مقوماتها، وأخذ الحذر والحيطة لئلا يقع الخلق في التهلكة.
إن القيادة قدمت الأموال بسخاء للقرية والمحافظة والمدن أموالا تصنع من الصحراء مدنا تضاهي المدن اليابانية والصينية في بنيتها التحتية والعلوية ، وأعطت الصلاحيات لقادة الجهات بأعبائهم المناطة بهم وبقي الإستعداد في تخطيط وتنظيم للمواقع إستعدادا لمنع مخاطر ذوبان الثلوج مع العصر الجليدي الذي بدأ يزحف بقوة للجزيرة العربية ، ولاشك أن توقع المشاكل الطبيعية القادمة من العصر الجليدي ووضع الحلول الحالية لها هو خير تدبير في إنحسار الخسائر المادية والبشرية والبنية التحتية والعلوية من تسريبات المياه من ذوبان الثلوج لتصبح جداولا أو أنهارا، فالعمل بخبرة وليس تجارب بين البناء والهدم، والحفر والردم هو المطلوب في صرف تلك المبالغ في محلها وليت شعري نستعين بخبراء الصين أو اليابان وليس فرنسا عنا ببعيد ، وما يأتي بعدها من كوارث طبيعية خارجة عن الإرادة فتلك أقدار الله يصيب بها من يشاء.
هذه رسالة الشتاء الحالي نيابة عن إخوانه القادمين في تأكيد مقولة سابقة للمصطفى في عودة الأنهار والمروج للجزيرة العربية، فأمام المسؤلين عبء كبير للعصر الجليدي القادم على المدى القريب والبعيد لإعادة التخطيط وأخذ التدابير في الطرقات ومواقع السيول والمباني، وإستيراد معدات السلامة الحديثة بدلا من إنقاذ الناس بمعدات بدائية تعمل في حرث الأراضي وحمل الأتربة، ولابد أن يتوج هذا الإستعداد التثقيف المبكر لمواقع أصحاب المواشي والمزارع والمخيمات الدائمة لسكن البادية وفي مساكن القرى وداخل المدن التي كانت تقع سابقا في مجرى السيول منذ أعوام مضت ، فهل نقرأ رسالة هذا الشتاء ونبدأ مع وداعه في التخطيط المبكر والتنظيم والتنفيذ لما هو قادم وقد أضحت المؤشرات تكشف عن بريق ثلوجها ، لقد قال الشتاء برسالته لهذا العام اللهم بلغت أن القادم هو العصر الجليدي وبقي العمل.
بقلم
أ. طلال عبدالمحسن النزهة