أنت أيها الإنسان دولة مستعمرة منذ ولادتك حتى يشتد عودك وتتمرد وتطالب بالإستغلال، ويبقى تجاهلك مستمرا انك لا تعرف أن الآخرين قد أستعمروك منذ أن خرج رأسك من بطن أمك فأستعجلت الصراخ في عالمك الجديد ، فأحترموا آدميتك ولم يوضحوا لك كيف حصلوا عليك بحرب باردة سهلة ميسرة جميلة ممتعة كان قوامها ساعتين وانتهت بالنصر وجئت زاعنا مهزوما فأرتفعت أصواتهم فرحا بنصرهم وبدأ إستعمارك رغما عن أنفك راضيا .
جئت لهذه الحياة رضيعا، فأنت دويلة صغيرة والمستعمر المسيطر الحقيقي هي أمك فقد كانت هي أرض المعركة والتي سوف تعيش معها حتى تتمرد ، وكان ابوك موجها ومخططا للمعركة التي فاز بها في ليلة كانت بوادرها سهلة ميسرة جميلة أصاب جنودها نشوة في معركة جميلة ، وجئت وقد هيأ لك الأب العيش وأصبحت أسيرا قبل أن تكسر قيودك التي كانت محكمة
وترعرعت وصرت طفلا، وما زلت دويلة تخضع لأنظمة أمك وأبيك ويشارك في هذا الإستعمار القليل ممن حولك.
وتمضي السنون ويبدأ معها كيانك كدولة تدرك ما حولك شابا، وينشأ داخلك صراع التمرد فأنت أصبحت دولة فردية داخل دولة جسدية، وتبدأ محاولاتك بمعركة صغيرة ضعيفة تطالب بإستقلال دولتك ولكن ظروفك الإقتصادية لا تسمح لك بالإضراب أو المطالبة الحقيقية، وتبدأ محاولاتك بالتمرد ملموسة فيصيب اهلك القلق وقد أدركوا أن بعض الدولة المستَعمرة القريبة منك يشاركونك التمرد ويساهموا في تقوية أركان جيشك في حرب عصابات متفرقة فمرة تثور واخرى تهدأ .
واكتملت قوة رجولتك ، وباتت دولتك واضحة المعالم، فقد حصلت على الإستقلال، وأصبحت الملك الحاكم لدولتك بكامل مقوماتها وإقتصادها بعد أن امتلكتَ أسلحة قوية عنيدة تصيب هدفها بدقة متناهية، فأنت صرت قويا بتمردك على المستعمرين، وكنت الوحيد الذي عشت وعرفت ظروف المستعمر سواء كانت الحياة التي عشت بها ظروفا احتوتها المجاعة، أو الرفاهية وربما البزخ الصارخ ، وقد تكون حياة معيشة متوسطة الحال ، وفي كل تلك الظروف كنت تلجأ لمن استعمرك ليمدك ببعض المال والرعاية بسبب عاطفتهم وخوفهم عليك ولكنك انكرت ماقدمه لك المستعمر ، وأصبحت دولة ذات سيادة فردية الكل بدا يعترف بك دولة مستقلة.
ويمضي بك قطار العمر وأنت الرجل الدولة التي تخلصت من الإستعمار لتبدأ انت مستمرا للغير ، وربما انت دولة متزنه او دولة لديها احزاب وتمرد، او دولة ذات سلطة وقوة تحاول أن تستعمر دول بعض الرجال، أو دولة ظالمة للآخرين تكفر بنعم ربها، وأحيانا تكون دولة لديها من الأحزاب والمعتقدات التي تدمر ما حولها .
وتهرم أيها الإنسان كدولة عاشت ما شاء لها الله أن تعيش، وتموت ولكن بعد أن قمت بدور المستعمر لدويلات أخرى يزيد أو ينقص عددها ، وعليك أن تدرك أن تلك الدول والتي استعمرتها سوف تقوى يوما وتطالب بالإستغلال رغم انفك ومهما كانت لديك من قوة وجيش ومعدات حرب ولكنك مهزوم بتلك الحرب مهزوم كما هزمت عائلتك، تلك هي حياة الإنسان، دول تستعمر وتنشأ منها دوله تستمر حتى يأتي يوما فتعود كل تلك المستعمرات البشرية لمن يقول يوما ، لمن المُلك اليوم، ويجيب على نفسه، لله الواحد القهار.
بقلم
أ. طلال عبدالمحسن النزهة
المدينة المنورة