الحياة والعلاقات الانسانية بين البشر تركيبة معقدة . الناس يختلفون فيما بينهم من حيث الانساب والاشكال ، منهم الابيض والاسود ومنهم العربي والاعجمي ومنهم الفقير والغني.
منذ زمن ليس ببعيد لوحظ ان هناك موضوع الواجب التركيز عليه وهو ظاهرة العنصرية والقبلية والتي قامت بعض الوسائل الاعلامية واساليب التواصل الاجتماعي باثارته وخلق الحزازيات بين الناس وزرع الفرقه فيما بينهم.
يعتبر التفاخر بالنسب من التعصب المذموم الذي انتشر بين الناس مما ادى الى التناحر والتباعد بين مختلف القبائل في المجتمعات العربيه والاسلامية ، واثرت على علاقاتنا ونمط حياتنا المعيشية.
من مظاهر العنصرية المتجذرة في مجتمعاتنا هي علاقاتنا الغير طبيعية مع الاخرين من الاخوة المسلمين من انساب اخرى ( الهندي او البنغالي ) حيث ياتون الينا من الخارج طلبا للعمل في بلادنا ، فاننا ننتقص منهم ونسميهم بالوافدين . هذه النوعية من العنصرية اتجاه اخواننا الذين تركوا اوطانهم وعائلاتهم يطلبون الرزق ، من العيب ان نصفهم بتلك الصفة ، وهذه ليست من اخلاق العرب والمسلمين.
كما نعرف ان العرب في الجاهلية تجمعهم عادات وتقاليد واحدة ولغة واحدة ، لكن كانت تقوم بينهم الخلافات والحروب بسبب الاختلافات في الانساب والقبائل . بعد ظهور الاسلام وانتشاره بين القبائل العربية ، توحدت مختلف القبائل ، لان الاسلام جعل مقياس التفاضل بين الناس التقوى. " ان اكرمكم عند الله اتقاكم " .
قال رسول الله (ص) " اربع من امتي من امر الجاهلية لا يتركونهن ، منهم الفخر في الاحساب ، والطعن في الانساب ، والاستقساء بالنجوم والنياحه على الميت " فكلنا من ادم وادم من تراب ، ولا فرق بيننا الا بالتقوى.
العصبية هي الرابطة المعنوية التي تجمع بين ابناء العشيرة الواحدة ، وبالفطرة ان افراد العشيرة يدافعون عن اي ظلم او مكروه يلحق بافراد العشيرة وكلما كانت صلة القرابه اقوى كانت العصبية بينهم اقوى واشد. وان قمنا بالمقارنه بين انساب اهل الباديه وانساب اهل المدن يتضح لنا ان اهل الباديه متقاربين بين بعضهم البعض اكثر والسبب الرئيسي هو انعزالهم ، اما في المدينة فاختلاف الناس انتمائهم لمدنهم بدلا من العشيرة.
ان من حق اي انسان ان يعتز بنسبه لكن لايجب على المسؤولين اعتباره كمعيار الافضلية بين الناس، والاستعلاء على الاخرين ، وخلق التفرقة بين الناس الى طبقات وفئات مختلفه.
ان ظاهرة العصبية ما زالت منتشرة بين مجتمعاتنا وخاصه في دول الخليج العربي ، حيث نلاحظ ان الكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة لا يختارون الموظفين حسب مؤهلاتهم وخبراتهم بل حسب طبقاتهم او عشائرهم ، لذا فمقياس الافضلية في اختيار الموظفين يرتكز على عشائر معينه، وان عدم تطبيق العداله بين الناس ينتج عنه التشاحن والتنافر والكراهيه فيما بينهم.
ان ميزان التفاضل بين الناس هو الحق الذي قرره الله سبحانه وتعالى وهو التقوى. فان الصحابى بلال بن رباح الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي ليسوا عربا ، لكن اسلامهم وتقواهم فضلهم عن القبائل العربية الاخرى.
في مجتمعاتنا هناك عدة انواع من التعصب:
التعصب العشائري : وهو ان ترى عشيرتك افضل من الاخرين وتحاول ان تظهر الامور الايجابية لديهم وتقلل من شان الاخرين ، فمثلا ان اراد شخصا من عشيرة ما الزواج من عشيرة اخرى فانه يرفض رفضا تاما ويحارب بقوة.
التعصب المذهبي : في الاسلام مذاهب مختلفه منها السني والشيعي وغيرها من المذاهب الاخرى، والعشائر السنية لا تتزاوج مع العشائر الشيعية وبالعكس كل مذهب يعتز بانتمائه للمذهب الذي يؤمن به.
التعصب الديني : هو عدم الاعتراف بين الاديان فالمسلم لا يتقبل ان يتزوج من الاديان الاخرى.
ان انتشار المواطنه والتسامح بين الناس لم يمنع ظهور العنصرية في المجتمع الاقليمي والعالمي الامثله مظاهر العنصرية في ولايات الجنوب الامريكي حيث يدرس الطفل الامريكي ان الانسان الزنجي والمكسيكي انسان كسول لا يتعلم بينما الانسان الامريكي الابيض يتعلم ويجتهد ويدفع الضرائب في المجتمع والتي تدفع للزنجي.
لقد انعم الله علينا بالاسلام وقضى على الفوارق وجعل كل الناس سواسيه ونشر محلها روح المساواة والمودة والرحمة وجعل التقوى معيارا للتعامل بين الناس.
بشان التفاضل بين الناس قال الله سبحانه وتعالى " يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، ان اكرمكم عند الله اتقاكم. "
لقد حض الاسلام على التراحم والتاخي بين الناس وشبههم النبي (ص) بالجسد الواحد " مثل المؤمنيين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد ، اذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. "
من الواجب علينا كمسلمين ان لا نسخر من بعضنا البعض ، ولا نتعالى على بعضنا البعض ونقضي على اي عنصرية او فوارق فيما بيننا ، ونكن جميعا على قلب واحد.
* عضوة لجنة العضوية وجودة الحياة - جمعية البحرين للتدريب والموارد البشرية.
بقلم الاستاذة - خديجه بنت محمود القحطاني