فلله در العلم كيف ارتقت به
عقول أناس كُنَّ بالأمس بلّها
غذاها نمير العلم من فيض نوره
جَلَت عن محياها المتوج بالبها
العلم هدى على هدى لمن صار على نهج الصالحين واقتدى، العلم نور ورجاحة عقل وتقى، أصبح العلم سلاحًا للشعوب المتقدمة وطموحًا للمتأخرة منها، وقد حث ديننا الإسلامي على ضرورة التعليم وحبننا فيه، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (من سلَكَ طريقًا يبتغي فيهِ علمًا سلَكَ اللَّهُ بِهِ طريقًا إلى الجنَّةِ وإنَّ الملائِكةَ لتضعُ أجنحتَها رضاءً لطالبِ العلمِ وإنَّ العالمَ ليستغفرُ لَهُ من في السَّمواتِ ومن في الأرضِ حتَّى الحيتانُ في الماءِ وفضلُ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ على سائرِ الكواكبِ إنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درْهمًا إنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَ بِهِ فقد أخذَ بحظٍّ وافرٍ).
العلم عدو الجهل والظلال وبالعلم تبدل الأحوال وخير ما يتعلمه الإنسان هو ما فيه نفع لدينه ووطنه ولنفسه ومع وسائل الاتصال المرئية والمسموعة أصبح طلب العلم غير شاق لنا كما كان عليه السلف أذ كانوا يرتحلون من بلد إلى بلد قاطعين القفار متحملين عناء وتكاليف وخطورة السفر ومرارة الغربة وكربتها بحثًا عن طلب العلم وكانوا حريصين كل الحرص على تدوين كل صغيرة وكبيرة في صحفهم وأوراقهم متغيبين عن ذويهم بالشهور والسنين، وحتى إذ هُم في طريق العودة لديارهم وهمَّ بهم قطاع الطرق لتجدن طالب العلم يضحي بكل ما يملك من طعام ولباس ومال وحتى راحلته من الدواب إن وجدت إلا كُتيباته فهي رأس ماله وغنيمته في سفره، ولنقارن طلب العلم في السابق بجيلنا اليوم.
يُقدَّم العلم في فصول دراسية مجهزة بكل وسائل الراحة من أجهزة تكييف ومقاعد وكتب مجانية ومصاريف نقدية تصرف للطالب يوميًا ناهيك أنها تتجاوز حاجته اللازمة لشراء وجبة الإفطار اليومية، ومع كل هذه الميزات والمحفزات والرفاهية والتشجيع تجد البعض من الطلبة تنطبق عليه الآية الكريمة تمامًا في قوله تعالى: { كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا } صدق الله العظيم. ربما يظن البعض أني قسيت بهذا التشبيه ولكنها الحقيقة المرة التي يعرفها زملائي الطلاب والمعلمون، فحين أرى طالبًا قد مضى أكثر من ١٠ سنوات وهو ما بين غدوٍ ورواحٍ وبعد هذه السنوات العجاف تجده لا يستطيع أن يكتب جلمتين على بعضها معتذرًا بضعف تعبيره، والبعض الآخر -اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا- لا يستطيع حتى كتابة اسمه بالشكل السليم والصحيح ولا يستطيع القراءة.
تطورت وسائل التقنية وجعلت من العلم وسيلة متاحة لكل طالب علم، فعبر هاتفك المحمول أو على جهاز حاسبك الآلي تستطيع أن تقرأ عن أي موضوع أردت أو الاطلاع على أي مادة رغبت بشروحات متعددة مما يسهل عليك فهم المادة المعروضة فألاف الشروحات ستجدها منها البسيط والمعقد ومنها السلس والمرن، تستطيع أن تتعلم وتستغل وقت فراغك بشيء مثمر وأنت مستلق على ظهرك دون عناء يُذكر.
وهنالك سؤال أختم به موضوعي، كيف لو وُجدت هذه التقنية للسف ؟! إلى أي مرحلة من العلم سيبلغون ؟!!. فلنستح على أنفسنا قليلًا، وأني لأعلم أن البعض سيردد وهو يقرأ بل كثيرًا كثيرًا.