الحمد لله الذي أمدَّ في أعمارِنا إلى هذا اليوم المبارك ، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه ، الحمد لله الذي يُطعِمُ ولا يُطعَمُ ، الحمد لله الذي منَّ علينا فهدانا ، الحمد لله غير مكفيٍّ ولا مودعٍ ولا مكفورٍ ولا مُستغنى عنه ، الحمد لله الذي أطعمَنا من الطعامِ ، وسقانا من الشرابِ ، وكسانا من العُريِ ، وَهَدانا من الضلالِ ، وبصَّرَنا من العمى ، وفضلنا على كثيرٍ ممن خلق تفضيلًا ، الحمد لله ربِّ العالمين .
لقد مضت تسعٌ مباركات ، وبقي آخر أيام العشر ، يوم عيد الأضحى ، يوم النحر ، يوم الحج الأكبر ، وسمي يوم النحر يوم الحج الأكبر ؛ لما في ليلته من الوقوف بعرفة ، والمبيت بالمشعر الحرام ، ولأنه تجتمع فيه عبادات عظيمة مثل : النحر والرمي والطواف والسعي ، ويوم الحج هو الزمن ، والحج الأكبر هو العمل فيه .
وقد ورد ذكر يوم الحج الأكبر في قولهِ تعالى : ( وَأَذَانٌ منَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ (٣) سورة التوبة
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ : ( وقفَ يومَ النحرِ بينَ الجمراتِ في الحجةِ التي حجَّ فيها فقالَ : أيُّ يومٍ هذا ؟ قالوا : يومَ النحرِ ، قال : ( هذا يومُ الحجِّ الأكبرِ ) . حديث حسن رواه البخاري وأبو داود وصححه الألباني
فيومُ النحرِ وهو العاشرُ من ذي الحجةِ هو من الأيامِ العظيمةِ المباركةِ المفضلةِ عندَ اللهِ ، فعن عبدِ اللهِ بن قرط رضيَ اللهُ عنه قال : قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : ( أعظمُ الأيامِ عندَ اللهِ يومُ النَّحرِ ، ثم يومُ القُرِّ ) . صحيح الجامع
ويوم النحر هو عاشر ذي الحجة ، ويوم القر هو الحادي عشر منه .
ومن حكمةِ اللهِ سبحانهُ وتعالى أنْ فضَّل بعضَ الأزمانِ على بعضٍ ، وجعل أجرَ الأعمالِ الصالحةِ وثوابَها فيها أَكثرَ من أجرِها في غيرِه ، وهذا من فضلِ اللهِ علينا ، ولكن أكثرهم يجهلون .
* هُناكَ مستحباتٌ ومسنوناتٌ وواجباتٌ في هذا اليومِ المباركِ منها :
- يُسنُّ رفعُ الصوتِ بالتلبيةِ والتكبيرِ والتهليلِ اقتداءً بالرسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وصحابتهِ الكرامِ .
فقد روى البيهقي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَخرج في العيدين مع الفضل بن عباس وعبدالله والعباس وعلي وجعفر والحسن والحسين وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة وأيمن ابن أم أيمن رضي الله عنهم - رافعًا صوته بالتهليل والتكبير ) . حديث حسن
وروى الدار قطني : أن ابن عمر كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى ، ثم يكبر حتى يأتي الإمام . حديث صحيح
- يٌسنُّ الاغتسالُ للعِيدينِ ، وهو مذهبُ الجمهورِ ( الحنفية والشافعية والحنابلة وقولٌ للمالكيَّة ) وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك .
فعن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما ، أنَّه كان يَغتسل يومَ الفِطر قبلَ أنْ يَغدُوَ . رواه مالك في (الموطأ) ، وعبد الرزاق في (المصنف) ، والبيهقي في (سننه) وصححه النووي في (المجموع) .
- يُسنُّ الأكلُ في الفطرِ قبلَ الصلاةِ ، وفي الأضحى بعدَ الصلاةِ .
قال ابن قدامة :
السنةُ أن يأكلَ في الفطرِ قبلَ الصلاةِ ، ولا يأكل في الأضحى حتى يصلي .
وهذا هو قول أكثر أهل العلم ؛ منهم عليٌّ وابن عباسٍ ، ومالكٌ والشافعي وغيرهم ، ولا يعلم فيه خلافًا . (المغني لابن قدامة)
وقد روى الترمذي عن بُريدة رضي الله عنه قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يَطعَم ، ولا يَطعم يوم الأضحى حتى يُصلِّي ) . حديث صحيح
- يُسنُّ أن يذهبَ المسلمُ إلى مصلى العيدِ من طريقٍ ، ويعودَ من طريقٍ آخر .
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى العيد ماشيًا ويرجع ماشيًا ) . حديث حسن رواه ابن ماجه
وعن ابن عمر رضي الله عنهما : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم العيد في طريقٍ ، ثم رجع في طريقٍ آخر ) . حديث صحيح رواه أبو داود
* فإذا كانت المسافة بعيدة عن المصلى ، ويشق المشي على المسلم ، فلا حرج أن يركب سيارته أو دبابه أو دراجته ، أو أن يركب مع أحد .
- صلاةُ العيدينِ فرضُ كفايةٍ ، وهو مذهبُ الحنابلةِ وقولٌ عندَ الحنفيةِ ، وقولٌ للمالكيةِ وقولٌ عندَ الشافعيةِ ، وعليه فتوى اللجنةِ الدائمة .
وقد ذهبَ بعضُ أهلِ العلمِ إلى أنَّ صلاةَ العيدِ فرضُ عينٍ كصلاةِ الجمعة ، فلا يجوزُ لأيِّ مكلفٍ من الرجالِ أن يتخلفَ عنها .
والدليلُ قولُ اللهُ تعالى : ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) سورة الكوثر
أما خُطبةُ صلاةِ العيدِ فهي سنةٌ ، وهذا باتفاقِ المذاهبِ الفقهيةِ الأربعة : الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة .
وتأخيرُ الخطبةِ عن صلاةِ العيدِ يدلُّ على عدمِ وجوبِها ، فمن تركها لحاجة فلا إثم عليه .
- وقد وردَ عن الصحابةِ رضي اللهُ عنهم ، أنهم كان يهنئون بعضهم بعضًا بالعيد بقولهم : تقبل الله منا ومنكم .
فعن جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ : كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اِلْتَقَوْا يَوْمَ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكم . قال الحافظ رحمه الله : إسناده حسن .
- يبدأُ وقتُ ذبحِ الأضحيةِ بعدَ صلاةِ العيدِ ، أو بعدَ ارتفاعِ الشمسِ قيدَ رمحٍ ، وقيدُ رمحٍ أي : بمقدارِ طولِ رمحٍ ، وطولُ الرمحِ يساوي مترًا تقريبًا .
وينتهي بغروب الشمس من اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة .
والأفضلُ أن يبادرَ بالذبح بعد صلاة العيد ، كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم يكون أول ما يأكل يوم العيد من أضحيته .
روى أحمد عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ ، وَلا يَأْكُلُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ ، فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ .
إلى كل أقاربي وإخواني وأخواتي وأعزائي وأحبائي في كل مكان :
تقبل الله منا ومنكم ، عيد أضحى مبارك ، وكل عام وأنتم بخير .
* المرجع :
- الموسوعة الفقهية - الدرر السنية لمجموعة من الباحثين تحت إشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف .
بقلم أ. مهدي جدُّه حكمي
التعليقات 2
2 pings
عبده حكمي
2021-07-20 في 10:07 ص[3] رابط التعليق
ماشاءالله تبارك الله ممتاز جداً مبدع وجزاك الله خير
(0)
(0)
أبو أنس
2021-07-20 في 5:38 م[3] رابط التعليق
جزاك الله خيرا
ولي ملاحظة آمل أن يتسع لها صدرك
قلت يبدأ وقت ذبح الأضحية بعد صلاة العيد، أو ارتفاع الشمس قيد رمح.
والصواب هو:
يبدأ ذبح الأضحية بعد صلاة العيد، أو بعد مُضِيّ قدْر صلاة العيد، لمن لا تقام عندهم صلاة العيد.
(0)
(0)