"وفي آخِرِ ذي الحِجَّة مِن سنة ١٠٧١ هـ مرَّ بعضُ الهْنودِ بِهَيْجَةٍ مِنْ بِلادِ تِهامَة، فَعَقَرَ عليهِ الأَسَدُ حِمَارَه، وتَرَكَه فَرِيسَةً يُوافِيها الَّليْلَ، فيَأْكَلَها على مَا هُو قَاعِدَةُ الأَسَدِ، في أَنَّها لا تَأْكلُ ما عَقَرَتْه بالنَّهارِ إِلا في الَّليْل، فَأُلْهِمَ الهِنديُّ سُمَّ الفَأْرِ، فَوَضَعَهُ في جَوْفِ الحِمارِ، ثُمَّ وافاهُ الأَسدُ فأَكلَ مِنْه فَمات، ثُمَّ جاءَت الأُسودُ فأَكلَت مِنْه فَهَلَكت؛ حتَّى تَغَطَّت الأُسودُ بِتلْك الهَيْجَة وكثيرٌ مِن الهِيَاج"
هذا خبرٌ تاريخيٌّ يذكرُ وجودَ الأُسودِ بتِهامَة قبلِ أَقلِّ مِن أَربعِ مِئَةِ عامٍ.
ومنطقة جازان تقع ضِمن تِهامة مما يلي البحر.
وكانت منْطقةُ جازان من المَواطِن التي تعيشُ فيها الأُسود، منذُ زمنٍ بعيد، فهذا الشاعر المُخَضْرَم تميم بن مقبل الذي أدْرك الجاهلية والإسلام وأسلم يقول:
(جُلوساً بها الشُّمُّ العِجَافُ كأَنَّهم أُسُودٌ بِتَرْجْ أو أُسُودٌ بِعِتْوَدا)
وعِتْوَد وادٍ مشهور من أوْدية منطقة
جازان كانت تعيش فيه الأُسود.
وتَرْج من أودية بيشة.
وفي القرن الخامس الهجري ذكر الهَمداني أَن مِن مَواضعِ الأسود في الجزيرة العربية؛ وادي تَعْشَر، ووادي لِيَة؛(بتخفيف الياء)، ووادي بيش، وكلها أودية مشهورة معروفة بأسمائها من أودية منطقة جازان.
وكان مِخلافُ عَثَر مشهوراً بأُسودِه، قال الهمداني: "وإلى حازَّة عَثَر تُنْسب الأُسود التي يُقال لها أُسودُ عَثَر"
ومِخْلاف عَثَر هو الاسم المعروف لمنطقة جازان في القرن الرابع الهجري، وعَثَر مدينة أثرية مُنْدَثِرة كانت عاصمةً للمِخْلاف.
والحازَّة هي الأرض الواقعة بين السَّهل والجبل، وهو مصطلح مشهور مُتداول إلى الآن في شمال المنطقة.
وكان غَرِيفُ الحَضَن الواقع قُرب مدينة بيش، تعيش فيه الأُسودُ إلى عهْدٍ قريب، والغَرِيف هو المكان الدَّائمُ الماء الكثيرُ الشَّجر، وهو المكان المُفضَّل للأُسود، ولذلك كانت تتكاثر في تِهَامة؛ حيث تكثرُ الهِياج، وهي غاباتُ شجِرِ الأَراك، ويكثرُ الماء، بسبب تَعَدُّد الأَودية التي تَتَخلَّل أرض تِهَامة.
والهِنْديُّ الذي وضع السُّمَّ للأَسدِ كان عائِداً من الحجِّ، حيث كان حجاج الهند وجنوب شرق آسيا، يمرُّون بِتِهامَة في رحلتهم للحجِّ، ويحرمون من ميقات يلملم، ويخرجون من بلادهم عبر المحيط الهندي، وينزلون في ميناء عدن، ثم يواصلون سيرهم بَرَّاً إلى مكة، ويعودون من ذاتِ الطريق.
🖍️كتبه/ العابد سبعي
المراجع/
١- تاريخ طَبق الحلوى وصِحاف المَنّ والسّلْوى، لابن الوزير.
٢- طبقات الشعراء، لابن سلّام.
٣- صفة جزيرة العرب للهمداني.
٤-العقد المفصل للبهكلي.
٥- لسان العرب، لابن منظور.