يشبه السفر جامعة عليا متعدد العلوم والمعارف والأقسام والفوائد والحكم البالغة ، تواصت به الأديان والحكماء والعلماء والأدباء ، وكل ذي لب وفطنة ، لما فيه من الخير والعلم والرزق ، ومآرب أخرى عصية على الحصر ، وخريجو هذه الجامعة العليا نالوا الشهادة العليا في علوم الحياةومعارفها حتى وإن لم يتموا تعليمهم .
إن من عظائم وباء كوفيد تلك الخسائر البشريةعلى مستوى العالم ، وإغلاق جامعة السفر ، حيث اغلقت التجارة، والتعليم والترويح وفضيلة التعارف بين الشعوب واستنارة العقول وفهم الواقع كما يعيشه العالم ، ولايزال السفر بوابة للفضائل والمعارف التي لاتدرس في المدراس العامة .
ومما يتداوله طلابها من الحكم والوصايا وهم عموم المسافرين والرحالة والمغامرين والمستكشفين قولهم : " الرفيق قبل الطريق "وفي هذا عناية باختيار رفيق السفر ، وخيرهم المعين على الطاعة ، الموافق في الرأي والطبع ، ومن يحمل همك ويكن عونا في كربتك ، تأنس به وتطمئن إليه ، حافظا لأسرارك مقيما على ودك .
ومنها التحذير من صحبة الكذوب والغضوب والبخيل ، ومن لاتسرك سيرته ، والنرجسي المضطرب ، الذي لايرى نظير له في نظراته، وسكناته ، وهو لايدري أنه لايدري أنه واحد من الناس .
ومنها الوصية بأن المال سلاح السفر فلا تغامر بالعبث به أو تنتقص من قدره . ولكل أرض شعب له أصوله وعاداته المقررة والخروج عنها يوقعك في الحرج ، والسعي خلف الوهم قد يوقعك فريسة السراب ، ظنا منك أنك تناله ، وهيهات فإنه يشرق من واد لامنتهى لآخره ، لهذا توقف عن مطاردته حتى لو ظننت القرب منه فإنك لاتعلم أنك وقعت في فخه وكنت فريسته. ومن الوصايا أن السفر من أبواب الرزق والعلم والحكمة والسعادة والسعة .
إن جامعة السفر تهدي وصاياها وحكمها التي تتوارثها الأجيال والشعوب ، لكن الوباء العالمي أغلق هذه الجامعة ومعها اغلقت أبواب الحكمة والمنافع الجمة ، وباغلاقها خسر العالم خسائر لايمكن حصرها وتستمر الخسائر الفادحة كلما استمرت بوابات هذه الجامعة العظيمة مغلقة.
محمد عائض آل عمر