جرائم قتل مروعة ، نحر لأبناء وزوجات وأباء وأمهات بلا رحمة ، انتحار ، جنون ، تهديد للآمنين ، تخريب ممتلكات ، انحرافات ، جنوح خفي ، اكتئاب ومخدرات الخ ...
بعض أسباب هذه المشكلات قادم من عمق جذور الطفولة ، حيث وجد أحد الوالدين أو المشرف على الطفولة يعاقب ويعنف بلا رحمة ، وحيث كان البؤس العنيف يخيم على براعم الطفولة في أحضان الأسرة القاسية . إن أحداث الطفولة ومآسيها تؤثر على مسيرة الحياة من بدايتها إلى أرذل العمر .
فحجم المعاناة التي يتعرض لها الإنسان في طفولته يؤثر سلبا على صحته النفسية و مع تقدمه في العمر ..قد يتحول إلى شخصية مضطربة ومكتئبة وحزينة دون أن يعي أن الطفولة القاسية مدت جذورها إلى مراحل العمر المختلفة . فمحاولة إخفاء مسرح الأحداث المؤلمة في الطفولة يولد المعاناة الدائمة ويظل النزيف النفسي القائم متدفقا حتى لحظة الانفجار .
تغذي الطفولة القاسية عدم الثقة بالنفس والشعور بالنقص ، والحزن المفاجئ نتيجة اجترار الذكريات المؤلمة التي تعاود الظهور قسرا بين حين وآخر ،وتسهم في اضطراب المشاعر وتقلبها السريع وتداخلها ، والانطواء الكئيب ، وتشوش الذهن المستمر ، وعدم القدرة على التركيز والانجاز . والكذب المرضي وسيطرة المخاوف والقلق المزمن ..
يرى كثير من المختصين أن عنف الطفولة يولد عدم القدرة على التعاطف الحقيقي حيث وصلت المشاعر مرحلة الخدر الحسي ، والحساسية النفسية المفرطة .مع التقدم في العمر وكتمان الألم النفسي تبدأ الآثار المدمرة للطفولة القاسية في الظهور وتتجسد في اضطرابات نفسية ومزاجية واعتلالات وأمراض مختلفة دون أسباب واضحة .
شخصيات عالمية شهيرة أنهت حياتها بطرق غريبة وحزينة لم يكن لها مبرر على أرض الواقع متأثرة بالاكتئاب والمخدرات والانتحار في نهاية المطاف . إن الطفولة القاسية والعنف الأسري الشديد يحيل الأطفال إلى أوعية محملة بالكراهية والعنف والقسوة والجريمة فهم يعبرون عن مآسيهم وجروحهم النفسية المكبوتة من الصغر ضد الآخرين .
يمكن الخروج من معاناة أزمة قسوة الطفولة ..لكن لابد من الوعي الذاتي بتاريخه الأسري ورحلة الطفولة التي عايشها ثم القراءة والاستماع للمقاطع الصوتية والمرئية ،وعليه أن يعترف بمعاناته إن ُوجدت ، وعدم كتمان المعاناة والألم النفسي والبوح بها أمام معالج مختص أو من يثق بمرؤته وصدقه وعلمه ، لأن اخراج مشاعر السخط والألم النفسي يعين في وقف نزيف جروح القسوة على الطفولة والحد من آثارها المدمرة .
محمد عائض آل عمر