إذا أغلقت المساجد لأمر طارئ فإن رب المساجد لن يغلق أبوابه والساجدون لن يتركوا سجودهم بل سيزيدون في تضرعهم وتقربهم لعلمهم أن الكرب لن تكشف إلا بكثرة سجودهم وتقربهم لربهم الذي بيده مقاليد الأمور الساجدون حصروا مخافتهم في ربهم ولذلك ما أخافتهم الكورونا ولا يعني ذلك أنهم لم يتخذوا بالأسباب المادية لمكافحتها لكنهم يعلمون أنها لن تضر إلا بأمر الله وكما جعلها الله داءً فقد جعل لها دواءً والداءُ والدواءُ خلق من خلق الله.
إن الواجب على المسلم أن يجدد علاقته مع ربه وأن يحسن الظن به وأن يتوكل عليه وأن يملأ قلبه بالطمأنينة والسكينة وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه وأن أنفاسه معدودة وأرزاقه محدودة وأنه لن يموت إلا وقد استوفى آخر نفسٍ وآخر رزق
إن هول الوباء وقسوة الإبتلاء كان نتيجة حتمية لهول المخالفات التي ارتكبتها البشرية مع ربها وما تدفعه البشرية من أثمان باهضة ماهو إلا حصاداً لما اقترفته من ذنوب ومعاصي يشيب لهولها المولود وصدق الله العظيم القائل " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون"
للخروج من هذه المحنة لن يكون إلا بالعودة الصادقة إلى الله فقد عز الدواء وعجز المدواي وبقي رب الداء والدواء فهو باقٍ على الدوام سبحانه وتعالى علوا كبيرا.
لقد أعادتنا كورونا إلى أخلاقنا وقيمنا فأيقظت الغافلين وبصرت الحيارى والمستكبرين وصححت عقيدتنا التي كانت ترزح تحت وطأة الإعراض والجحود وملأت قلوبنا رغبة ورهبة لرب العالمين وبينت عجزنا وفقرنا إلى من يقول للشيء كن فيكون
لن يعود دور محراب الصلاة إلا إذا أصبح مصدرا لمحراب الحياة " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي .."
ودور المساجد يتوقف على دور الساجدين .
إن الإقبال على الله فيه النجاة والسعادة والنعيم والأمن والإعراض عنه فيه الهلكة والعذاب والبؤس والشقاء
" الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون "
إن الحجر المنزلي يجب أن يتحول إلى نزهة حقيقية في رياض القرآن الغناءة ولحظات روحانية تحلق فيها النفوس مع الله وخلوة حقيقية معه تعالى ومراجعة دقيقة لسلوكنا العام وتصور دقيق للحجر الأكبر والنهائي الذي ننتظره في قبورنا وتعقيم حقيقي لقلوبنا من أدران المعاصي والذنوب وتطهير لها من أمراض الحسد والغل والحقد والكراهية وكبح لجماح الكبر والإستعلاء وإيقاظ للمبادئ والقيم وبعث للفضيلة وإماتة للرذيلة
إن البعد عن بعضنا جسديا يجب أن لا يكون ذلك البعد بعدا نفسيا وروحيا بل يجب أن نتخذ منه منهجا للبعد عن كل ما يغضب الله تعالى لعلمنا أننا كلما ابتعدنا عن المعاصي وعن كل ما يغضب الله
اقتربنا من كل مايرضي الله ومن ثم اقتربنا من الله تعالى
وفق الله الجميع لمايحبه ويرضاه
بقلم / سلمان العبدلي
1441/7/24هـ
الطائف