في منتصف ديسمبر ٢٠١٩ من دولة الصين تحديداً ظهر مالم يَكُن بالحسبان لا يُرى بالعين المجردة وينتشر بعدوى مؤكدة قلب موازين العالم ، هز الشعوب و اغلق المطارات و فرق الجماعات و دمر الاقتصاد ، فقّد الأحباب ويتَّمَ الاطفال وباتت المدن الحية كمدنِ أشباح ، حوَّل الروتين والأعتياد إلى أماني وبدت الشعوب منه تُعاني إلا دولتنا حاربته بتفاني .
الصين تصرخ و إيطاليا تستنجد و امريكا تحاول والسعودية تحارب والدول تعلن حالة الطورائ ، تمكَّن وانتشر بين الأقاليم و القارات حتى صنفته منظمة الصحة العالمية في ١١ مارس ٢٠٢٠ كوباء عالمي
" نعم إنه جائحة فيروس كورونا coved_19 "
هنا ورغم كل المخاوف والعجز الذي ظهر بالعالم تجلّت وسطعت دولتنا العُظمى وكأنها نجمٌ مُشعٌ بِعُتمة الليل ، استبقت الأحداث في مواجهته وبدأت من نقطة النهاية لدى الشعوب الكبرى ، وبرغم مساحتها التي تعادل سبع دول أوربية إلا انها استطاعت تطبيق إجراءات حازمة في وقت قياسي واثبتت للعالم حسن قيادتها في التعامل مع الأزمات والكوارث ، حيث باتت الدول تسير على خُطاها بِكُل ثقة وتترقب اخر إجراءتها لتطبيقه على أراضيها ، وفي عمق الجائحة بانت المعادن واتضحت الحقائق وتجلّت حقوق الإنسان بالأفعال لا بالأقوال :
بريطانيا / استعدوا لفقد أحبابكم
امريكا / الآلاف لم يجدوا سريراً في المستشفى لعلاجهم
إيطاليا / انهيار تام للنظام الصحي وحظر التجوّل
السعودية / سنبذل الغالي والنفيس للمحافظة على صحة الإنسان وسلامته
نعم إنها دولتنا العُظمى " المملكة العربية السعودية " حيثُ سطّرت في حق ' الإنسانية ' الحقائق بعيداً عن الشعارات ، وفي حق ' الدولة والحكومة ' منجزات تردد صداها في كافة الأصقاع ، وفي حق ' التاريخ ' بطولةِ ( ملحمة تاريخية ابطالها بين المليك وشعبه وشجعان الصحة ) تُذْكَر عبر الأجيال ، حتى أصبحت على لسان كل شخص في العالم لعظمتها …
باتت كأبٍ شجاع ذو حِكمة رأيٍ ورجاحةِ عَقلٍ ، علّقت الرحلات بخارج البلاد وداخلها وسعت لتأمين الاقتصاد في الوطن ومدت يدها الحانية بدعم منظمة الصحة العالمية ، وعلّقت زيارة الحرمين الشريفين كما علّقت العمل و الدراسة بكافة مراحلها وفعّلت التعليم عن بعد وأطلقت قنوات علمية ليواصل الابناء مسيرة دراستهم بمنازلهم ، وبقت قريبة من مواطنيها حيث خصصت خط اتصال لمن يشعر بأعراض المرض وكثّفت جهودها بالتعاون مع ابطال الصحة بكافة الإجراءات الاحترازية للحد و الوقاية من تفشي المرض ، اغلقت أماكن التجمعات و أجّلت جميع النشاطات وقلّصت المدة بين الأذان والإقامة ، واتخذت اجراءاتها في شأن الوافدين للبلاد ، وطالبت المواطنين بالحجر المنزلي و حظرت التجول ليلاً حفاظاً على سلامتهم ، حتى توَصّل بها الأمر إلى إيقاف صلاة الجمعة والجماعة في المساجد والاكتفاء برفع الأذان …
"صلوا في بيوتكم , صلوا في بيوتكم " هكذا رُفِعَ الأذان بتلك الليلة الحزينة ، رُفِعَ بصوت تملَؤهُ العبرات والحسرات ، باتت الدنيا باهتة بلا مساجد مضيئة ومنظر الحرمان الشريفان خاوييان تتفطر له القلوب ، هنا أيقنَ المواطن انه بطلٌ من ابطال المسرحية وعليه ان يمكث في منزله ليحقق تلك البطولة ، حينها وضع يَدهُ بيدِ دولته وأخذ بكل الإجراءات اللازمة فالأمر تطور ولابد له من حد وحده بالوعي وأخذ الحيطة والحذر.
بالمقابل رُبَّ ضارة نافعة فمهما بلغ الأمر من هم وعجز وخوف الا انها تجلّت حكمة الله تعالى ولُطفهِ الخفي ، وبدأ الناس يشعرون بتلك النِعم التي إعتادوا عليها وبِلمح البصر ودون ترتيب أصبحت مثل الأمنية ، وحمدوا الله ان الوقاية من هذه الأزمة هي البقاء بمنازل أمنة ودافئة وليس خارجها ، التزم الجميع بمنازلهم اصبح الأب إماماً لأبناءه والأم معلمٌ لأبنائها و استشعر الطلاب بنعمة المدارس والجامعات والموظفين بنعمة العمل والكفاح ، تلك الفترة كانت جيّدة لإعادة الحسابات وتطوير القدرات وإنجاز التراكمات وزيادة العبادات ونهضة التقنيات ، كُل أسرة انعزلت بمنزلها وتمارس حياتها بمفردها ، مرّت الأيام والأسابيع وانطوت الشهور باتت الحياة هادئة والطرقات خاوية ولازال الأمل بالله يقظ …
وفي تلك الليلة التي تجلّت فيها قُدرة الله تعالى هلَّ هلال رمضان وهلَّت معه البشائر والخيرات انحسر المرض وأنقظّت الغُمة وأشرقت الأرض بقناديلها وانشقت السماء بغيثها وتعالت أصوات المآذن بالتواريح وامتلأت المساجد بخطوات تلمؤها اللهفة وانتشرت الطمأنينة ، تزيَّن الجميع بزينة العيد وخرجوا من منازلهم وتراكض الأطفال بينها وفاحت البيوت بالروائح الزكية وتجمّعت العوائل على مائدة السحور واعتلت الضحكات والتهاني وعمّت السعادة ارجاء الأرض ، الكُل فخورٌ بوطنه و بأبطال الصحة وبجنود الحد وبوعي ذاته وأسرته ، كان وقتاً ومضى وعادت الحياة لمجراها .
أخيراً يا بُني لم يكن ذلك العُسر الا وكان اليسر يجري معه ، وإيماننا بأن حكمة الله تتجلّى كل شيء ، وكما قال الشافعي : " ما جاء العطاء إلا بعد البلاء ، فأصبر على البلاء تُبشّر بالعطاء "
أ. عائشة عون
٢٣ مارس، ٢٠٢٠