استيقظت ذات يوم في منزلي على صرخات ألم وغيوم من الحزن والآهات التي تساقطت دمعاً ماطراً ينهمر بغزارة ممن أصواتهم تخنقها العبرات ، لم استوعب حتى الآن كيف مرت بي تلك اللحظات المؤلمة القاسية التي كانت تدور حول الرحيل الموجِع لأحد الشمعات المُضيئة في حياتي .
استيقظت في ذلك اليوم الحزين بين كل تلك الأصوات الكسيرة بفقدها لترنّ في أذناي تلك الجُملة التي أصابتني في مقتَل واظلمَت بها إشراقة صباحاتي .
تلك الصرخات عَصَفت بي حتى أغرقتني في دوّامة من (اللا وعي) وفقدان الإستيعاب مقترنة بالرضا والتسليم بما قسمه الله سبحانه وقدّره .
ذلك الصباح الذي حلّ ليكتُب في بداياته رحيل والدي رحمه الله الذي كان قدوتي وقوّتي ، ولا زال وسيبقى لي القدوة ولكنني لم أعُد بوفاته بتلك القوة .
تلك الفراغات التي تركها في كل مكان لم ولن يملأها أحد ، فراغ في المنزل وآخر في زوايا كافة الأماكن التي اجتمعنا بها سوياً فـ علِقَ بها عَبقُ ذكراه الخالدة في قلوبنا ، وفراغات في أوقات الأطفال الذين كانوا متعلّقين به يسامرهم ويلهو برفقتهم ويجلب لهم ما يُسعدهم ويرسم على مُحياهم الإبتسامة ويبعث في نفوسهم البهجة والسرور والذين لم يُدركوا حتى الآن معنى وقسوة الرحيل الأبدي والفقد الدائم لذلك الجدّ طيّبُ الذِكر عزيزُ النفس كريمُ الطِبَاع حميدُ الخِصال ، ذلك الجدّ الذي ينتظرونه كل يوم ويترقّبون أن يطرق الباب وبيده الحلوى والألعاب ، يدعون له بالرحمة والمغفرة ولا يعون ما معنى تلك الدعوات ولا أنها لمن رحل عنهم ولن يطرق تلك الأبواب التي يترقّبونها كل يوم ببراءة الطفولة وفي داخلهم مشاعر ألم ودموع حُزن عالقة في أعينهم وسط أحاسيس غير مفهومة .
تلك الفراغات التي تركها أقساها كان فراغ أعيننا التي اعتادت رؤية ذلك الوجه البشوش المبتسم الذي ختَم حياته مُبتسماً كما كان برغم كافة الظروف الحياتية التي عانى منها ولكنه وقف شامخاً متسلّحاً بإيمانه قنوعاً بما كتبه الله سبحانه ، قدوة في العفو والتسامُح والنُبل والخُلُق الرفيع .
تلك الفراغات التي ازدحمت حياتي بها مُنذ رحيله اكّدت معها بأنه لا أصعب من الإشتياق إلى من هم تحت التراب .
هذا الفقد الموجِع ومواجهة موجة عاتية من المسؤوليات الأسرية قدّم لي عدة دروس مهمة في حياتي ولعل أبرزها ( ان آبائنا كالجبال برغم مسؤولياتهم وهمومهم من أجل التربية وتوفير المتطلبات الأسرية إلا أننا لم نشعر بتلك العواصف التي واجهتهم لسنوات شابوا بها قبل أوانهم ) .
رحم الله من فقدنا من آبائنا وأمهاتنا وحفظ لنا من تبقى منهم وجمعنا في جنات النعيم بإذنه .
ركزة : لن نُدرك قيمة ما نملك إلا بعد فقدانه ، أو ربما أننا كنا نُدرك تلك القيمة الحقيقية ولكننا لم نتوقّع فقدانها يوماً ما .
بقلم
أ. عبدالرحمن خليل